المزيد من الأخبار






الرضواني يحاضر في تزييف الأنظمة السياسية للديمقراطية والتحايل على الشعوب ضمن مؤتمر دولي بالناظور


الرضواني يحاضر في تزييف الأنظمة السياسية للديمقراطية والتحايل على الشعوب ضمن مؤتمر دولي بالناظور
ناظورسيتي: علي كراجي

شكل موضوع تزييف الديمقراطية و التحايل عليها من طرف الأنظمة السلطوية، محور محاضرة ألقاها محمد الرضواني، أستاذ العلوم السياسية بكلية سلوان، على هامش انعقاد مؤتمر دولي، أمس الخميس، حول الديمقراطيات الناشئة والديمقراطية في حالة ركود، احتضنته قاعة المركب الثقافي بالناظور.

وأثار الرضواني في محاضرته، جملة من الأدوات والتقنيات التي تستعملها الأنظمة السلطوية للتحايل على الشعوب و ايهامهم بالمشاركة في اللعبة السياسية، وذلك بهدف تلميع صورة النظام السياسي وإخفاء الممارسات غير الديمقراطية على مستوى المؤسسات والآليات وهي تقنيات يقوم بها فاعلون أساسيون يباشرون عملية التزييف بإشراك فاعلين ثانويين.

وقال المحاضر، إن العديد من الأنظمة السياسية تلجأ إلى تزييف الديمقراطية في حالات جمعها ضمن خمس نقاط أساسية، أبرزها تظهر في حالة فشل الانتقال الديمقراطي، إذ أن عملية التحول الديمقراطي قد لا تؤدي إلى النجاح في بناء الديمقراطية، وهو ما يجعل أنظمة سياسية لا تقر بالفشل. وفي حالات بطء الانتقال إلى الديمقراطية أيضا، حيث أن هذا الأخير يتم خلال فترة وجيزة تحددها عدد من الدراسات بين 3 و 8 سنوات على أبعد تقدير، وعندما تكون حصيلة النظام السياسي هزيلة على مستوى توطيد المقومات الديمقراطية خلال هذه الفترة، تلجأ السلطة في إلى التزييف.

وأضاف، بأن عمليات التزييف، تبرز أيضا في حالات تراجع الديمقراطية، خصوصا في الانظمة الديمقراطية الحديثة أو الانظمة التي عرفت الديمقراطية خلال الموجة الثالثة، بحيث أن النجاح في بناء النظام الديمقراطي لا يعني الوصول لترسيخه، وعندما تعرف الدولة تراجعا ديمقراطيا وفقدان النظام السياسي لشعبيته، وتسجيل تراجع على مستوى النمو الاقتصادي، ولتجنب سقوط النظام يتم اللجوء إلى التزييف كحالة بلدان أمريكا اللاتينية و بعض الوحدات السياسية في الدول الإفريقية.

وتتعلق الحالة الرابعة، حسب الرضواني بتجديد السلطوية، والتي تكون بعد الثورات أو الانتفاضات أو الاحتجاجات حيث تلجأ الأنظمة السياسية إلى سن إصلاحات سياسية وحقوقية واقتصادية، كحرية التعبير وإجراء انتخابات أي الإعلان عن ليبرالية سياسية غير حقيقية بهدف الالتفاف على مطالب الشعب عن طريق تزييف الديمقراطية.

وقال، إن هذه الإصلاحات قد تأتي في حالة الانتقال السلطوي بهدف التكيف مع التحولات الدولية والإقليمية أو الوطنية، مثلما حدث في عدد من الدول العربية ومن بينها المغرب، حيث أعلنت منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي إصلاحا في إطار ليبرالية سياسية شملت التعددية الحزبية وتوسيع مجال حرية التعبير وتقليص الهيمنة المباشرة للدولة على الاقتصاد، فتم توظيف آليات الليبرالية السياسية للتكيف وتوسيع هيمنة النخبة السياسية القائمة، لذلك فهذه البلدان لم تحقق انتقالا ديمقراطية.

أما الحالة الخامسة والاخيرة، فهي تعكس محاكاة الدول للديمقراطية، إذ أن تزايد عدد الدول الديمقراطية في العالم وانتشار المنظمات الدولية التي تقيم تقدم مؤشرات الديمقراطية على مستوى البلدان، جعل الكثير من الانظمة السلطوية تعيش ضغطا كبيرا دفعها إلى محاكاة النظام للديمقراطية بطرق غير حقيقية وفارغة.

وينتشر تزييف الديمقراطية وفقا للدراسة التي قدمها الاستاذ الرضواني، في الدول الديمقراطية غير الراسخة والهشة، وأنظمة السلطوية المحدثة، أو الأنظمة الاستبدادية التنافسية، والهدف الأساسي من هذه العملية هو بقاء الحكام في مناصبهم، والتكيف مع الاوضاع، وتثبيت الاستغلال وتوهيم أغلبية الشعب بأنها مشاركة في العملية السياسية، وأن الممارسات المزيفة من صميم الديمقراطية.

وقدم الرضواني، مؤشرات حول تزييف الديمقراطية في عدد من بلدان العالم، بداية من الموجة الثالثة للديمقراطية سنة 1975 والتي عرفت توسعا ملحوظا، حيث بلغت عدد الدول الديمقراطية 46، وفي 2016 حوالي120، وأصبح نحو 70 في المائة من السكان يعيشون في ظل هذه الانظمة.

لكن انطلاقا من هذا التاريخ، أي 2006، أوضح الرضواني أن العديد من الدراسات الغربية بدأت تتحدث عن ركود وتراجع وأزمة الديمقراطية، إضافة إلى ضعف الانجازات، وهو ما أكدته دراسات عدد من المفكرين الغربيين، وأيده أيضا كتاب فوكوياما "النظام السياسي والاصلاح" و كتاب الايرلندي بيترمين "أن تحكم من فراغ". وقد أكدت دراسة سنة 2017 على تراجع الديمقراطية في 89 دولة من أصل 167 معتمدة على ستين مؤشرا تتعلق بالعمليات الانتخابية والتعددية وأداء الحكومة والمشاركة السياسية والثقافة الديمقراطية والحقوق المدنية.

وتلجأ الأنظمة السياسية إلى التوظيف الواعي للتقنيات الديمقراطية وافرغها من جوهرها ومضمونها من أجل خدمة التوجهات السلطوية، بتوظيف مختلف طرق الاحتيال كتنظيم الانتخابات دون احترام مبدأي النزاهة و المنافسة الشريفة، وإظهار صورة تنافسية للنظام السياسي، حيث يترك هامش مساحة للمعارضة والإعلام وجمعيات المجتمع المدني، ولكن هذه المساحة متروكة فقط لمن لا يتحدى النظام بشكل جدي، وأن جل هذه القوى تدور في فلك النظام، وتابعة له بشكل أو بأخر، وهناك لعبة سياسية، لكنها مقيدة جدا ومراقبة وموجهة

وتناول المحاضر، إشراك المسؤولين المنتخبين في صناعة القرار، مبرزا بأن هذا الموضوع يعكس الآليات التي تعتمدها بعض الانظمة السياسية لإيهام شعوبها، في وقت تكون فيه النخب الصغيرة والمغلقة هي الصانعة الحقيقية للقرارات الاستراتيجية والكبرى، بعيدا عن أية مساهمة من طرف المنتخبين أو الأحزاب أو النقابات ومنظمات المجتمع المدني.

كما أن الكثير من القرارات، تكون خاضعة لتوجيهات مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وفي الغالب يتم الاكثار من المجالس والهيئات الاستشارية واللجوء إلى الحوارات العمومية والمناظرات، أو اللجوء إلى الاستشارة الشعبية الواسعة، التي يكون الغرض منها تزكية النظام، وإيهام الشعب بأنه مشارك في العملية السياسية، لكن دون أن تكون هناك مخرجات ملموسة.

ويرى الرضواني، بأن المنتخبين وأغلبية الشعب يمكن اعتبارهم مشاركين دون مشاركة، والقرار الحقيقي لا يوجد في قنوات الاشراك، وقد أدخل المحاضر هذه الآليات ضمن ما يمكن اعتباره وسائلا تقليدية لتزييف الديمقراطية.

تطوير الأنظمة السلطوية لأدوات تزييف الديمقراطية والتحايل
أمام مطالبة الشعوب بالفوائد العملية للديمقراطية وليس الخطابية، وتزايد التحديات أمام هذه الانظمة، أبرز الأستاذ الجامعي بكلية الناظور، تطور وسائل حديثة للتزييف السياسي، مؤكدا أن الكثير من الأنظمة التي عرفت حراكا اجتماعيا بعد اندلاع ثورات الربيع لجأت لهذا النوع من الأدوات للحفاظ على السلطوية وتأمين عملية الانتقال لفرض المزيد من الهيمنة.

ومن بين الوسائل، تحدث الرضواني، عن القمع بالحيلة الذي ظهر مع تزايد المطالب ولجوء قوى الشعب إلى تبني تقنيات جديدة للضغط على الانظمة، كمقاطعة المنتجات الاقتصادية، وقيادة حملات اعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واطفاء الأضواء، وسحب الأموال من الأبناك، والتي أثبتت نجاعتها في إحراج الأنظمة السلطوية، لكن هذه الأخيرة لجأت بالمقابل إلى تجديد طرق القمع من خلال القمع بالحيلة، حيث تم توظيف تطبيق القانون والقضاء بغطاء سياسي، من خلال محاكمة الناشطين والمعارضين بالقانون الجنائي، أو قوانين الاتجار بالبشر والإرهاب والامن العسكري، وبالتالي أكد على أن الاعتقالات بإمكانها ان ترتفع لكن دون وجود معتقلين سياسيين.

واعتمدت الانظمة السلطوية في مواجهتها لهذه الموجة، على أدوات حديثة للتضليل السياسي، من قبيل الاكثار من المواقع الالكترونية غير المستقلة، وأشار الرضواني في هذا الإطار إلى ظهور كم هائل من الصفحات الإلكترونية في عدد من البلدان التي عاشت حركات احتجاجية وكذلك أثناء محاكمة معتقلي حراك الريف.

ومن بين وسائل التحايل والتزييف التي انتهجتها البلدان السلطوية، أبرز المحاضر توسيع نطاق الاهتمام بالقضايا التافهة وقضايا النقاش غير الحقيقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أضحى عدد مشاهدي بعض الأشرطة "التافهة" يفوق بآلاف المرات مشاهدي مداخلة مفكر ذي قيمة علمية مفيدة، وأعطى بذلك بعض الأمثلة كفيديو "إكشوان إكن وان" و "البكالة"...، مقارنا ذلك بعدد مشاهدي مداخلة عبد الله العروي او الحوارات التي تبث حول موضوع الهجرة السرية.

كما أضحى تدريب وتشغيل الذباب الالكتروني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من ضمن الأدوات التي تستعملها الانظمة السلطوية، والهدف من هذه الممارسات حسب الرضواني نشر الزيف بشتى أشكاله، ما يجعل الانظمة السلطوية في هذا الإطار من منتجات عصر ما بعد الحقيقية المعتمدة على الشحن العاطفي والمواقف الشخصية لتغييب الواقع و اقناع الناس بنقيضه.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح