المزيد من الأخبار






الدريوش : بين اهتزاز كراسي المسؤولين ، واستنكار المواطنين


الدريوش : بين اهتزاز كراسي المسؤولين ، واستنكار المواطنين
ضرب الزلزال في قاع البحر ، وبعدها اقترب من اليابسة ، فما كان إلا أن تسجل أول هزة على أرض الريف الصامد ، ليتبادر الى الأذهان سيناريوا أكادير في ستينيات القرن الماضي . بعدما تحولت مدينة بأكملها إلى أشلاء متناثرة هنا وهناك ، فالإبن تحت الأنقاض والأب في مستودع الأموات.

والناجون يتساءلون في حيرة ،و الإيجابات تأتي موحدة " يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها " *.

الريف ، يعيش على وقع هاجز الخوف ، والقلق والكل على أعصابه ، ومسؤولي الريف أبانوا على برودة أعصابهم ، في خطوة سيكتبها التاريخ بكل حرقة ومرارة. بحبر جاف مجرد من كل معاني المواطنة والمسؤولية ،

إن الواقع المرير ، الناتج عن المشاكل التي تتخبط فيها الدريوش ليس الا سياسة ممنهجة من طرف بعض المتطفلين على العمل السياسي بفعل قرارات مجانبة للصواب والعقل والمنطق ، ليتحول العمل السياسي بمبادئه الخالدة إلى لعبة خبيثة تمت شخصنتها ، فعوض اشراك الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني وغيرهم في مراكز اتخاذ القرار ، تم تفعيل العكس . فأصبحت مدينة بأكملها بأطرها وفاعليها ومثقفيها تسير بمكالمة هاتفية لبضع ثوان .

هذا ما انعكس سلبا ، لعدم فهم قواعد العمل السياسي والخروج عن النص جملة وتفصيلا ، فالسياسة حسب مفهومهم الكلاسيكي هي اعتلاء منصات المهرجنات الإنتخابية ، واللعب على اوتار هموم الساكنة والتلاعب بالكلمات والألفاظ .

ولأن كثرة الضغط تولد الإنفجار ، في زمن " نتا ديالنا" ، ارتأت ساكنة الدريوش ان تجعل لنفسها أرشيفا لن ينسى ؛ بكسر حاجز الصمت المعهود طوال أزمنة إلى اليوم كيف لا و "أبو القاسم الشابي" قد أنشد للدنيا .

" إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلبد أن يستجيب القدر ... ولبد لليل أن ينجلي ... ولبد للقيد أن ينكسر " . **

فربما القدر لم يستجيب بعد ، "وأبو القاسم " لم يدرك كرامة تمرغ في التراب لأن القدر نفسه جعل من الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، والمرأة الغير الطموحة في المكان الذي تركته المرأة الأمازيغية الحرة والغيورة .

صوت أشبال" مولاي محند " ، هز مدينة الدريوش لساعات طوال " الزلزال طبيعي ...و التهميش سياسي " .

في خطوة أدركوا معها الكم الهائل من المشاكل والمعيقات التي تغرق فيها مدينتي المجروحة ، تنديدا بما يمارس عليهم من إقصاء وتهميش و إجحاف ، وقس على ذلك ...

فكانت مطالبهم توفير الخيام واللوجيستيك ، منها تزويد المدينة بمعيدات طبية ، وتفعيل خدمات الوقاية المدنية ، وتجهير سياراة الإسعاف بما تستلزمه الضرورة تحسبا لأي طارئ قد يغير المعطيات تماما ، وحينها لا ينفع مبدأ " يا ليتنا ".

" حرية الإجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي ، وتأسيس الجمعيات ، والإنتماء النقابي والسياسي مضمونة ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات ". 1

تحكي تلميذة :

" عندما توجهنا إلى مستوصف المدينة (تقصد الدريوش). ونحن في تلك الحالة النفسية الحادة ، والبدنية المنهكة نهيك عن إغماءات في صفوف التلاميذ في مشاهد محزنة وخطيرة .
كان أملنا أن نجد معيدات وأطر طبية قادرة على تقديم المساعدة والعون كواجب مهني ، تفاجئنا بأكياس عبارة عن أكفان بلاستيكية توضع فيها الجثامين (تقصد التي تغلف فيها الجثة).2

فكيف يعقل أن تكون هذه المشاهد التي لا تلائم الجمهور الناشئ من داخل مستوصف محلي استقبل العشرات من تلاميذة المدينة في ظروف جد قاسية ؟؟.

أم أنه التلاعب بمشاعر الجيل الصاعد ؟؟.

والمنتخبون يا سادة ، تناسو الدور المنوط بهم كممثلين للمواطنين داخل المجالس الجهوية والمحلية . موكلين للدفاع عن مصالح أبناء الدريوش ومجندين لخدمة التنمية المحلية والرقي بالمدينة اقتصاديا ، وبيئيا وثقافيا واقتصاديا ...

" السيادة للأمة ، تمارسها مباشرة بالإستفتاء ، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها.
تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالإقتراع الحر والنزيه والمنظم ". 3

فغابت التمثيلية ، وغابت معها حقوق المواطن الذي يمني النفس بغد أفضل ، وازدهار يشمل مختلف الجوانب المعيشية في مدينة طغى عليها مصاصي الدماء.

في حين أن أموال طائلة تصرف للجهات والجماعات الترابية بصفة منتظمة الهدف من ورائها العمل على مواكبة الإستثمارات والمشاريع التنموية وخلق فرص الشغل ، وميزانيات أخرى مخصصة للحتميات الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات ...
( فلا المتضررين من فيضانات الدريوش 2008 تم تعويضهم ... ولا اجراءات احترازية اتخذت لتدبير الهزات الأرضية التي يشهدها الريف منذ اسابيع ).

" تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية ، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة.
كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له ".4

" كما أن التعاطي الحكومي مع ما يحدث للمغاربة والمغرب من كوارث يعيد التساؤل بخصوص مآل صندوق تعويض ضحايا الكوارث الطبيعية التي صدرت تعليمات ملكية بإحداثه بعد تقديم هبة من السعودية للمغرب بـ100 مليون دولار إثر الفيضانات التي عرفها المغرب سنة 2008، وهو الصندوق الذي حددت مصادر تمويله في الهبة السعودية،
وفي صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بـ300 مليون درهم، إضافة إلى اعتمادات من ميزانية الدولة،
على أساس أن يخصص لتمويل عمليات الإنقاذ العاجلة، ومساعدة السكان المتضررين، وكذا تعزيز الموارد التي تم تخصيصها لتطوير وسائل التدخل التابعة لمختلف المصالح المتخصصة، لا سيما مصالح الوقاية المدنية وبناء منشآت للوقاية من الفيضانات وإحداث أنظمة للإنذار واليقظة ".5

لنعيد صياغة الإشكال المنطقي والبديهي في هذه الحالة ،أين صرفت هذه الميزانية الضخمة مع العلم لم يتم التدخل في أي منطقة بتكلفة تمكن من استنزاف هذا الكم الهائل من المادة ؟؟.

إلى أن نتمكن جميعا أيها السادة ، من الإجابة العقلانية على الإشكال المطروح في الفقرة اعلاه ، أترك لكم المجال للتفكر والتمييز والإستنتاج عسى أن نهتدي إلى نتيجة مقنعة ومنطقية تريح بال المواطن وتشفي غليله.

وتذكروا دائما أن " ليس هناك انتصار أو هزيمة ، نجاح أو فشل ، بل شيء اسمه الواجب وأنا قمت به قدر استطاعتي ". 6

----------------------------------------------------------------
المراجع :

* سورة الزلزلة / الآيتين 4و5.

**- قصيدة " إرادة الحياة " / أبو القاسم الشابي، شاعر تونسي.

1- الفقرة الأولى من الفصل التاسع والعشرون من الدستور المغربي.

2- مقتطف من مداخلة تلميذة في أحد الحلقيات
التي نضمتها الجماهير الشعبية بالدريوش بتاريخ 18 مارس 2016.

3- الفصل الثاني من الدستور المغربي.

4- الفصل مائة وواحد وأربعون / من الدستور المغربي.

5- مقتطف من منشور بجريدة المساء بعنوان " هل تستغل الحكومة «القوة القاهرة» للتنصل من مسؤوليتها في الكوارث الطبيعية "/ الصادر في 01
فبراير ,2016 / العدد: 2895.

6- من أقوال الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي / مولاي محند.

بقلم : أيوب بولهدارج.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح