المزيد من الأخبار






الأمير الخطابي ومشروعه الفكري والتحرري الوطني: في نقد القراءات المؤدلجة لتجربة الرجل ومرجعيته


الأمير الخطابي ومشروعه الفكري والتحرري الوطني: في نقد القراءات المؤدلجة لتجربة الرجل ومرجعيته
بقلم: وكيم الزياني

سالت الكثير من المداد وما زالت تسيل وقيل الكثير من الكلام وما زال يقال عن هذا الرجل -مولاي موحند- الذي أبهر العالم بفكره التحرري والسياسي والإنساني وبشخصيته المتواضعة وأخلاقه الرفيعة وإنسانيته العالية ومبادئه الراسخة التي لا تقبل المساومة والتنازل ومواقفه الجريئة والشجاعة من الكثير من القضايا الانسانية ذات صلت بالحرية والتحرر، وسجله التاريخ من بابه الواسع، رمزا للحرية وعنوانا للكرامة ومدرسة للعديد من الحركات التحررية على مستوى العالمي، معلما وزعيما وقائدا، لذلك فمهما حاولنا أن نقول في حق هذا الرجل سيبقى قليلا جدا مقارنة بما يجب أن يقال في حقه.

الخطابي الذي قضي أزيد من نصف عمره يحارب الاستعمار ويناصر استقلالية الشعوب المستعمرة، معاصرا في حياته أحداثا جساما مرت بها البشرية، عايش تهافت الدول الامبريالية على توزيع المستعمرات، في عهد تكونت فيه أحلاف عسكرية وتكتلات سياسية، اقتصادية وغير ذلك مما أفرزه عالم القرن 20 من تحالفات.

وفي خضم كثرة الاهتمام بتجربة هذا البطل التحرري، ارتأينا الوقوف في هذه المقالة إلى بعض القراءات الضيقة التي تقدم فكر الخطابي التحرري والسياسي والإنساني، من منطلقات التشويه والتجزيء والتصدير أحيانا، وبالخصوص إذا علمنا أنه، لم يتبقى أمامنا إلى أيام قليلة لنستقبل الذكرى الثانية والخمسين لرحيله واستشهاد رمز من رموز النضال التحرري الوطني، وملهم الحركات التحررية العالمية، إن لم أقل رائدها الفكري ومبدع حرب العصابات الميداني، حيث بوصول صبيحة 6 فبراير ستكون قد مرة 52 سنة على استشهاد الأمير في مصر-القاهرة، ليدفن في هذه الأخيرة كاختيار منه وبعيد عن الوطن الذي كان يحلم به وقاوم من أجله، واختياره هذا كان لأسباب موضوعية أكثر مما هي ذاتية، تتعلق بالشروط الموضوعية التي كان يدافع عنها ضمن مشروعه التحرري، هي حوالي 85 سنة عن رحيل مولاي موحند عن وطنه الريف، وما زالت تجربته التحررية شغلا شاغلا للكثير من الباحثين والكتاب والمثقفين والفاعلين المدنيين والسياسيين، مما يوحي لنا أن تجربة الرجل ما زالت تلهم الكثير من هؤلاء المهتمين، باعتبارها تجربة تحررية ما زالت تحتضن جوانب مسكوت عنها ان لم أقل غامضة بفعل تكالب التاريخ الرسمي، يجب أن يفتح فيها الحديث والبحث من أجل إعادة الاعتبار لمثل هكذا رجل وطني فعلا وممارسة، كما قد يوحي هذا الاهتمام كذلك إلى وجود رغبة لطمس وتشويه وتقزيم تجربة الرجل فيما هو سياسي إيديولوجي ضيق.

وبالتالي نعتقد أن إنصاف الرجل قد يبدأ من هنا، وذلك عبر قراءة تجربته بفكرها ومواقفها في إطار العلمية والموضوعية، آخذين بعين الاعتبار، الأبعاد اللحظية والتكتيكات الاستراتيجية في ممارسته، وكذا تطور مواقف الخطابي من يوم الذي أسس فيه أرضية لمواجهة العدو الاستعماري إلى آخر يوم عاشه بمصر، فالعلمية تستدعي منا عدم أخذ موقف ما عبر عنه الخطابي في مرحلة ما من حربه التحررية أو في منفاه بلاريونيون أو عند إنزاله في مصر ونحسم النقاش بالقول أن الأمير الخطابي، هذا هو وهكذا كان، وهذا ما كان يريد ويناضل من أجل، هذه من الأكبر الأخطاء التي يمكن أن نسقط فيها، وتعتبر هذه القراءة تقزيما لشخصية الرجل التي لا تنسجم وفكره ونضاله وتطور مواقفه، وأعتقد بسبب هذه القراءات الضيقة يتحول الخطابي وفكره التحرري إلى الأدلجة السياسية لا علمية ولا موضوعية فيها، تارة ينسب وتصدر مواقفه إلى تيار كذا، وتارة أخرى إلى أيديولوجية كذا.

ومن هذه القراءات الضيقة التي سنقف إليها في هذا الحديث، ما تذهب إليه في كثير من الأحيان بعض الكتابات المتأسلمة في قراءتها لفكر الخطابي، قائلة أن هذا الأخير هو من الأوائل الذين أسسوا ما يعرف ب "الحركات الإسلامية" وأن حربه للاستعمار كانت "حربا دينية"، وضد "الغزاة الصليبيين" ومن بين من خطى هذا التوجه المشرد السابق "لجماعة العدل والإحسان" الراحل عبد السلام ياسين، وغيرها من الكتابات الأصولية التي تقول أن الخطابي كان "مجاهدا يدافع عن راية الاسلام، أنه وهب نفسه للجهاد ضد الكفار الصليبيين"، إلى حد وصل الأمر ببعض شيوخ الإرهاب الموالي للقاعدة الاستشهاد بالخطابي وتجربته في إحدى خرجاته الإعلامية قبل عامين، فهذه القراءة لا أساس لها من العلمية والموضوعية ولا تنسجم لا من قريب ولا من بعيد مع فكر الأمير ومواقفه كما سنبيين.

فلا ننفي أن الخطابي كان مسلما متدينا، لكنه لم يكن الدين هو مرجعه في حربه التحررية، ولم يكن حاملا لمشروع سياسي ديني يسعى إلى تطبيقه، ولم تكن حربه ضد الاستعمار حربا دينية كما يتوهم الأصوليين السلفيين في قراءاتهم، والخطابي بنفسم يعترف بذلك في كلامه هذا، حيث يقول "إن حربنا وطنية ولا دينية، وهم يقولون إن مرادنا هو أن نطرد من المغرب جميع الإفرنج، وهذا كذب، نحن نريد الريف ولا نريد غير الريف... أنا ممن يرون إطلاق الحرية الدينية للمسيحيين في بلادنا... الأديان كلها صالحة، ديانتكم صالحة لكم وديانتا صالحة لنا، ويكفي للاتفاق على هذه النقطة وغيرها صدق النية وحسن الإرادة من الجانبين" (العربي المساري، كتاب محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الدول، الطبعة الأولى. ص:158)، ويقول في نفس الصدد "التعصب الديني هو من بين أبرز أسباب هزيمتي" (كتاب عبد الكريم ملحمة الذهب والدم. ص: 158 للباحثة زكية داوود)، إضافة إلى دفاعه عن التعايش الديني والعرقي وعن الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة لكل الأفراد بغض النظر عن دينهم وعرقهم ولغتهم، وكذا موقفه الحداثي من المرأة وذلك "بتشجيعها على القتال وفي محاربة المستعمر إلى جانب الرجل" (المساري نفس المرجع ص:160)، كما هاجم الزوايا الدينية التي كانت تقف ضده وإلى جانب المستعمر في حربه التحررية بقوله " إن الإسلام الذي يقدم في المغرب والجزائر لا علاقة له بالإسلام الحقيقي" ويضيف "إن الدول الإسلامية لن يمكن أن تستقل إن لم تتحرر من التعصب الديني".

إذن الذهاب إلى قول أن حرب الخطابي "حربا دينية" كما يقدمها الإسلامويين الأصوليين، بعيد كل البعد عن الموضوعية في البحث التاريخي، لأن الخطابي لم يكن يؤمن "بإسلام الكسكس" كما يمارسه البعض من أجل مصالح الجماعة الضيقة، ولا "بإسلام الإرهاب" كما ذكره الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في شريطه، بل كان مسلما يعترف بحرية التدين وينظر إلى الأديان ومعتنقيها بالتساوي فالخطابي آمن بالإسلام الذي يضمن للإنسان كرامته وحقوقه وحريته لا بإسلام القتل والتكفير والترهيب في حق الإنسان وأكثر من ذلك فالخطابي أعلنها في أكثر من موقف، كونه متأثر بالسياسة الزعيم التركي السيد"مصطفي كمال أتاتورك" والكل يعرف من يكون هذا الأخير وكيف كان يفهم الإسلام ومواقفه تجاه استغلال الشعور الديني وكيف قاد تركيا لتصبح اليوم من الدول الكبرى رغم بعض التحفظات على سياسته العلمانية الذي فرضها من داخل تركيا بالقوة العسكرية، وبالتالي يجب أن نستبعد للقراءات المأدلجة في تناول الخطابي وتجربته، التي هدفها ليس هو دراسته بل ممارس الأخونة والأسلمة لفكر الأمير وتصدير مواقفه وتحوير فكره التحرري وحصره في أيديولوجيات فئوية ودينية ضيقة.

الخطابي: "نَبتة" لاهي شرقيّة ولا غربيّة

ومن نفس الزوايا الضيقة تتناول الكتابات القومجية اليسارية والمتمركسة للخطابي، قائلة بأن الخطابي كان ضد التحالف الامبريالي، أي ضد المعسكر الغربي حسب فهمهم، وأنه يساريا في فكره متشبع بقيم الحداثة والتنوير، وكتب أحدهم، بأن الخطابي كان اشتراكيا سعي إلى تطبيق العدالة الاجتماعية مستشهدا في هذا، بتوزيع الخطابي للأراضي على الريفيين الذين لا يمتلكون أرضا بعد انتهاء حرب الريف، وغيرها من القراءات المأدلجة التي تحاول أن تنسب تجربة الأمير وتقريبها إلى ايديولوجياتها، هذا بدون الغوص من طرف هذا الكتابات في البحث عن المرجعية المأطرة لتجربة الخطابي والبنيات الثقافية والاجتماعية التي انطلقت منها، بل كعاداتها تذهب إلى الاسقاطات الفكرية والنظرية في تحليلها لأي ظاهرة ما، يجب أن نعي بأن الخطابي كانت مرجعيته في محاربة الاستعمار وتحالفاته مرجعية وطنية متشبعة بقيم الحرية الكرامة، حيث يقول "أريد أن أعيش حرا في وطن حر"، فأن يقف مولاي موحند في وجه الاستعمار الامبريالي لا يعني أنه موالي للمعسكر الشرقي السوفياتي أو كان مؤمن بتوجهاته السياسية كما يحاول أن يوهمنا البعض، بل وقف في وجه الامبريالية الاستعمارية دفاعا عن وطنه وأرضه المقدسة لا مواليا للايدولوجيا النقيض لها، وأن يكون الخطابي حداثيا وتنويرا لا يعني أنه يساريا، بل آمن بهذه المبادئ ومارسها بمدى تحملها من قيم عقلانية وانسانية، وحتى هذه المفاهيم ليست من المرجعية اليسارية في شيء، بل برزت في السياق الأوربي الغربي بعد النهضة في القرن 15، وأن يقوم الخطابي بتوزيع الأرض على الريفيين لا يعني أنه اشتراكيا، واختزال هذا في الشعار الهلامي الاشتراكي "العدالة الاجتماعية" بل يجب أن نبحث عن ما تشكله هذه الممارسة في المخيال الجماعي الريفي، يقول الخطابي "أريدها عدالة اجتماعية تستمد روحها من تراثنا"، بل أكثر من ذلك هذه الممارسة ليست في الاشتراكية بشيء، لأنها لا تؤمن ب "الملكية الخاصة" بل كل شيء في "ملكية الدولة العامة"، وتوزيع الخطابي للأرض على الريفيين الذين لا يتوفرون على الأرض، يجب أن أن ننظر إليه من زاوية ما الذي تشكله الأرض في الثقافة الريفيين والأمازيغ عامة، فالخطابي وزع الأرض على الذين لا يمتلكون أرضا من الريفيين حتى يحسوا أنهم ينتمون إلى الريف وحتى لا ينظر إليهم على أنهم مجرد أجراء أو ما يعرف في ثقافة الريفيين ب "إخماسن" (التي تعني الأجير في اللغة العربية)، كما أن هؤلاء الذين منح لهم الأرض دافعوا وحاربوا عنها المستعمر وماتوا أقرباءهم في هذه الحرب دفاعا عن أرض الريف، وبالتالي أعطيت لهم الأرض حتى يحسوا بالانتماء إلى الريف وحتى يستقروا فيه ويشتعلوا في الأرض من أجل تلبية حاجاتهم اليومية، وبالتالي مثل هذه الاسقاطات الايديولوجية في قراءة تاريخ حرب الريف وتجربة الخطابي لا يكمن أن تستقيم بدون القراءة العلمية والموضوعية العارفة بمرجعية الحرب التحررية الريفية ومنطلقاتها حتى تنسجم ومواقف الخطابي وفكره التحرري.

كما تذهب بعض القراءات التي تريد تشويه تاريخ حرب الريف عامة إلى نعت الخطابي ب "الشوفيني" وتارة ب "الانفصالي" وإطلاق صفة "الانفصالية" على تجربته في تأسيس الجمهورية الريفيية، وهنا قد نتساءل آخذين بعين الاعتبار، التواجد الاستعمار في بلاد موراكش ومعاهدة الحماية التي بصم عليها السطان المخزني نفسه، من أجل حماية عرشه المهتري الآلي للسقوط مع توالي الهجمات والتمردات القبائل الموالية لما سمي في تاريخ المغرب المعاصر ب "بلاد السيبة" على سلطة المركزية التي تثقل كاهلهم بفرض الضرائب والرسوم، في هذا الوقت بالتحديد من كان يحكم البلاد؟ أليس هو المقيم العام الفرنسي؟ وما موقع السلطان من داخل هذه المعادلة؟ ألن يكاد يكون مجرد دمية في أيدي الاستعمار يستعمله في مباركة سياساته ومخططاته؟ من كان يبصم على الظهائر التي صدرتها السلطات الاستعمارية؟ أليس هو السلطان نفسه؟ وكانت تصدر باسم من؟ إذن القول "بالانفصال" هنا، انفصال من عن من؟ .

إذا كان الأمر يتعلق بالانفضال عن السياسة ليوطي فبالفعل الخطابي كان انفصاليا لأنه لم يقبل بها، وأكثر من ذلك حارب هذه السياسة الاستعمارية ووقف في وجهها، أما القول بأن الخطابي كان يريد "الانفصال" من خلال جمهوريته عن المركز أي عن "السلطان" فهذه مجرد أكاذيب لأن الريف لم يكون أصلا تابع لسلطة المخزن، أو للقبائل الموالية للمخزن، بل كان ضمن ما سمي ب "بلاد السيبة" الغير المعترفة بسلطة المخزن، ما عدا "الاعتراف بالسلطة الدينية للسلطان"، والخطابي لم يعترف بصلاحيات السلطان في تلك الفترة أصلا، إذ كيف له أن يتعرف بسلطان قابعا في القصر بين أيادي الاستعمار الفرنسي يمضي على وثائقه ويستجيب ويلبي لمطالبه وسياسته؟ فالسلطان هنا لم يكن يتوفر على أي سلطة ولم يكن يحكم حتى نقول أن الخطابي كان ينازع السلطان في حكمه أو يريد أن "ينفصل" عنه بل كانت فرنسا الاستعمارية هي التي تحكم البلاد، والخطابي كانت مواقفه واضحة من الاستعمار في رمته، إذن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة وأصحابه يريدون منه تشويه تاريخ حرب الريف وتجربة الرجل الوطني الحقيقي الذي قدم أزيد من نصف عمره وهو يدافع عن الوطن ويحارب الاستعمار ميدانيا وسياسيا، كما أن الخطابي لم يكون مخزنيا انبطاحيا، ولم يرتدي "الطربوش المخزني" كما قال معاشره في القاهرة السيد أحمد المرابط، بل كان بطلا تحرريا يدافع عن وطنه وأرضه لا متعاونا مع من يغتصبه، وأكثر من ذلك فالمخزن وبيادقته هو الذين حطموا مشروع الخطابي في التحرير الوطن عندما اختاروا التعاون مع المستعمر بدل الاصطفاف إلى جانب خيار المقاومة، إذن لا يمكن أن نقترن المشروع التحرري الذي حمله الخطابي مع مشروع المخزن، فهذا الأخير شيء والمشروع الخطابي شيء آخر، لا نستطيع أبدا أن نجمع بين هذا وذاك، فالأول كان انبطاحي تبعي والثاني تحرري وطني.

تجربة الخطابي ضد التّسيّب السياسي

فتجربة الخطابي لم تكن "تسيبا سياسيا" كما يحلو أن يسميه البعض، ولم تكن جاهلة للتحولات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي يشهدها التاريخ المعاصر لأوربا وباقي الدول العالم المتقدم في علاقتها بالدول العالم الثالث، بل كان عارفا وملما إن لم أقل مطلعا على المؤامرات التي تحاك من الطرف الاستعمار الأوروبي وبالخصوص الاسباني ضد الريف ومن طرف القوى الامبريالية ضد الشعوب المستضعفة عامة، ولذلك فمقاومته للاستعمار لم تكن ممارسة عفوية، بل كانت فعلا منظما ومخططا، وممارسة مبنية على مبدأ الواجب في الدفاع عن الوطن، الذي وعد به أباه، عندما خير أبناءه بين المقاومة أو الهجرة من الريف إن لم يستطعوا، لذلك عمل على تأسيس تجربة فريدة من نوعها في النضال التحرري العالمي، ليس فقط في نجاحاتها العسكرية التي أبهرت العالم بل أيضا من حيث الفكر التحرري والسياسي التنظيمي الذي كان يرمي من خلاله تدشين مشروعه تحرري حضاري عند تحرير منطقة الريف، وانكب على إرساء دعائم جمهوريته القادرة على تحديث الريف، فخلق إطارا سياسيا ينظم المقاومين ويوحد صفوفهم، وأسس نظاما قضائيا وإدارياً لتنظيم القبائل وحفظ الأمن والاستقرار من خلال دستور تشريعي، هكذا أسس جمهورية الريف كتكتيك لحظي من أجل تحصين المكتسبات الميدانية والسياسية في أفق تمهيد لإنطاق العمليات العسكرية لطرد المستعمر من كل تراب البلاد ومن كل دول شمال إفريقيا حسب المواقف الذي عبر عنها وعمل من أجل فيها بعد، تأسيس لجنة تحرير شمال افريقيا في مصر، وإشرافه على ارسال خلايا إلى دمشق للتدريب العسكري، يتعود وتأسيس خلايا جيش التحرير في المغرب والجزائر، فالخطابي حسب ممارسته لم يكن هدفه هو تأسيس جمهورية الريف وفقط، ولو كان كذلك لما فتح جبهة ثانية للقتال مع فرنسا حينما حرر الريف، فالرجل كان يعي جيدا أنه حتى وإن طرد الإسبان من الريف ممكن أن يعودوا الاستعمار من جهة أخرى، وكان يعي أن معاهدة الحماية التي وقعت بين فرنسا والمخزن تستدعي من فرنسا وحلفائها القضاء على كل التمردات القبلية وإخضاعها للسلطة المخزن، وبالتالي مولاي موحند لم يكن يغفل هذا عندما قال "حتى وإن طردنا المستعمر من الباب سيدخلنا من النافذة".

اذن فالإنسان في حجم الأمير الخطابي لا يمكن أن يكون "انفصاليا" ولا "شوفينيا" متعصبا للقبيلة أو الدين أو العرق والذي تخطى فكره حدود القبيلة والوطن ليعانق هموم وقضايا الإنسان في كل مكان في العالم.

وعلى سبيل الختم، نقول أن الحديث عن شخصية تاريخية عالمية مثل الخطابي لا يمكن أن ننصفها أبدا من خلال حصرها فيما هو سياسي إيديولوجي ضيق، أو من خلال القراءات المأدجلة التي تغيب فيها وعنها الموضوعية في البحث والتناول الموضوعي التاريخي لحرب الريف التحررية وبطلها الخطابي.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح