المزيد من الأخبار






أي رسائل يبعث بها حضور لفتيت في نهائي كأس العرب؟


أي رسائل يبعث بها حضور لفتيت في نهائي كأس العرب؟
ناظورسيتي: متابعة

أثار حضور وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، شخصيًا نهائي كأس العرب “فيفا قطر 2025”، الذي توّج فيه المنتخب المغربي الرديف باللقب، تساؤلات واسعة تجاوزت منطق التشريف والبروتوكول إلى منطق الدلالة السياسية.

فالأعراف الرياضية درجت على أن يقتصر التمثيل الرسمي في مثل هذه المناسبات على رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، وربما الوزير الوصي على القطاع، غير أن ظهور وزير الداخلية، أحد أبرز الوجوه السيادية في الدولة وأكثرها ارتباطًا بتدبير الملفات الداخلية الحساسة، يفتح باب القراءة السياسية الهادئة، لا من باب الجزم، بل من زاوية الإشارة الذكية التي تُتقنها الدول حين تفضّل الرسائل الصامتة على التصريحات المباشرة.

إذ لا يمكن فصل هذا الحضور عن التحول العميق الذي عرفه موقع الرياضة، وكرة القدم تحديدًا، داخل الاستراتيجية العامة للدولة المغربية. فالرياضة لم تعد مجالًا تنافسيًا أو ترفيهيًا صرفًا، بل تحولت إلى أداة من أدوات السيادة، تُدار بمنطق الدولة لا بمنطق القطاع، وتُستثمر ضمن ما يُعرف في علم السياسة بالدبلوماسية الناعمة المعزَّزة بأدوات الدولة الصلبة. فالمغرب، وهو يراكم إنجازاته الرياضية، لا يكتفي بإنتاج الرأسمال الرمزي، بل يعمل على تأطيره بأبعاد أمنية ودبلوماسية ومؤسساتية، بما يجعل الرياضة امتدادًا للسياسة بوسائل أكثر قبولًا وفعالية.

وحين حضر مسؤولون سياديون رفيعو المستوى إلى جانب وزير الخارجية ورئيس الجامعة في محطات رياضية مفصلية، أبرزها مونديال قطر، كان ذلك إعلانًا غير مباشر بأن ملف كرة القدم أصبح قضية دولة. واليوم، يتعزز هذا المعنى بحضور وزير الداخلية، المعروف بثقل مهامه، وانشغاله بملفات استراتيجية من قبيل الاستحقاقات الانتخابية، وبرامج التنمية الترابية، والهندسة المجالية الجديدة، والمساهمة في إعداد الأرضية التفاوضية المتعلقة بالحكم الذاتي. حضور كهذا لا يُفهم باعتباره فراغًا في الأجندة، بل باعتباره اختيارًا محسوبًا، لأن في السياسة ما لا يُنجز إلا خارج قاعات الاجتماعات الرسمية.


وعلاوة على ماسبق، ففي علم السياسة والعلاقات الدولية، تُعد الأحداث الرياضية الكبرى فضاءات موازية للدبلوماسية غير الرسمية، حيث تُمرر الرسائل وتُدار التوازنات بعيدًا عن الأضواء. ومن هذا المنطلق، لا يظهر نهائي كأس العرب كمباراة فحسب، بل كمنصة رمزية تسمح بالتواصل الهادئ، وتبادل الإشارات، وربما ترتيب بعض الملفات دون إعطائها الطابع الرسمي الذي قد يقيّد هامش الحركة. ومن ثم، فإن طرح فرضية وجود رسائل أو تواصل على الهامش يظل مشروعًا في منطق التحليل، لا في منطق الجزم أو الاتهام.

كما لا يمكن عزل هذا الحضور عن السياق الإعلامي والرقمي المتوتر، حيث أُثيرت في الآونة الأخيرة نقاشات حول منصات وحسابات تستهدف المغرب ورموزه، وما رافق ذلك من قراءات سياسية متباينة. وفي مثل هذه الحالات، تميل الدول إلى الرد عبر التموضع لا عبر البلاغات، وعبر الصورة لا عبر التصعيد، وهو ما يجعل من حضور وزير الداخلية إشارة سيادية هادئة مفادها أن الدولة تراقب، وتفهم، وتتحرك حين يلزم، دون حاجة إلى رفع الصوت أو توتير العلاقات.

وتظل العلاقة بين المغرب وقطر، في هذا السياق، علاقة مركبة تُدار بمنطق التوازن بين التعاون والاختلاف، دون قطيعة ودون اندماج كامل، ضمن ما يمكن تسميته بـ“المنطقة الرمادية الذكية”، حيث تُفضَّل البراغماتية على الانفعال، والتدبير الهادئ على المواجهة العلنية. ومن ثم، فإن الحديث عن تطورات تُدار بهدوء ينسجم مع منطق السياسة الواقعية التي تعتمدها الدول في إدارة علاقاتها المتشابكة.

وفي المحصلة، وبغض النظر عن تعدد التأويلات، تبقى الحقيقة الأوضح أن المغرب لم يفز فقط بكأس العرب، بل أكد مرة أخرى أنه يُدرك أن الرياضة اليوم جزء من معادلة القوة الحديثة، وأن السيادة لا تُمارَس فقط عبر الحدود والمؤسسات، بل أيضًا عبر المدرجات، والصور، واللحظات الرمزية المحسوبة. وحين تحضر الدولة بكل ثقلها في مباراة نهائية، فذلك يعني أن الأمر يتجاوز الفوز الرياضي إلى ترسيخ موقع، وتأكيد رسالة، مفادها أن المغرب حين يلعب يفوز، وحين يُدبّر يتقدم بثبات.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح