المزيد من الأخبار






أحمد الزيد يكتب.. رحل جمال أوفتيح وفي أنفسنا شيء منه


أحمد الزيد يكتب.. رحل جمال أوفتيح وفي أنفسنا شيء منه
بقلم: أحمد الزيد

هذا القدر التعيس، وهذه الموت الجبانة الغادرة، راحت تتسرب، وتتسلل بيننا في كل لحظة وحين، لتأخذ منا الأعزاء، وتسرق منا الشرفاء نحو العالم الأخر، وكأنه لم يعد لهم مكان في هذا الزمان، ولا في هذا العالم، ولا في هذا الوطن.

الشرفاء يرحلون تباعا، بالأمس بكينا فراق شاشا ونحن نلتمس الكلمات في رواية "كسر الطابو، لتبزغ الشمس": أرز طابو، أتاري ثفوشت.
تألمنا لرحيل أحمد الزياني، وقصائده، وأشعاره المكتوبة على حجر، تهبنا الأمل والحياة، لكني لعنت هذا القدر، وحاولت أن أبحث عن ملامح وجهه، لأصفعه صفعة لوم شديدة، وفتشت عن الموت، لأشنقها إلى الأبد، لأنها تسللت بيننا، وأخذت منا جمال، من دون أن تمنحه فرصة الكتابة بكلمات ليست كالكلمات، ومن دون أن تمهله لكي يروي محنا ليست ككل المحن.

يسكنني العصيان، وينتابني التمرد، حين أستحضر حكاية نوح، الذي وهب له القدر عشرات السنين كي يزرع الزيتون، من دون أن تمنح لجمال فرصة نشر رواية "محنة النمل الطائر".

كم هي جميلة تلك السطور، وكم هي عميقة تلك الكلمات، وكم هي رائعة تلك الصور، تماما كروعة مبدعها جمال، وأنا الذي حضيت بقراءة جزء منها.
كان يسربلني هدف قراءتنا كلنا لهذه التحفة الإبداعية الجميلة، التي ترقى لمقام أعمال لوركا، وغابرييل غارسيا ماركيز، وألبرتو مورافيا، ومحمد شكري، وغيرهم من عظماء الكلمة.

لكن قبح الموت، تسلل إلى قلب جمال الملائكي الطاهر، ليسكت نبضاته، ويوقف حركة أنامله المبدعة، ويجف مداده إلى الأبد، ويقتل روحه التي طالما غنت للأمل والحرية والمستقبل، وهو العاشق لدندنات ڭناوة، وقصائد الغيوان، وأنغام مارسيل وأميمة.

احترقت نبضات جمال، لكن نظمت حكمت طالما قالت: إذا لم أحترق أنا، ولم تحترق أنت، ولم نحترق نحن، فمن يضيء هذه الظلمات.
ظل جمال شريفا، ممانعا، عزيزا، وفيا لقضايا الوطن، مدافعا عن الضعفاء والمحرومين والكادحين، مرافقا لأبناء الشعب في كل حارات هذا الوطن، رغم العدوان الثلاثي الذي استهدفه: الإعتقال، الغربة، المرض.

طوع جمال لغة فان خوخ، تماما كما طوع لغة الضاد، وهو الذي أجاد الكتابة والإبداع بهما، وكان يعلن أن أمازيغيته تجعله قادرا أن يتقن كل اللغات وأن يكون مترجما إستثنائيا.

كم هي جبانة هذه الموت التي تسللت إلى أوتار فؤاد جمال، لتقطع فيها نفس الحياة، وتوقف فيها نبض الكلمات، وتترك الفاسدين الطغاة.
هي هكذا الموت، لا تستشير، ولا تمهل، ولا تؤجل، بل تأتي على حين غرة، لتأخذ كل عزيز، كريم، شريف كنت سأصرخ في وجهها لأقول: دعي عنك جمال، فنحن محتاجون إليه، فهو لم يقل كلمته بعد.

جمال، سنكتب على قبرك: لم تمت فهذا ما أوصاني به محمود الدرويش.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح