المزيد من الأخبار






أحمد أعراب يكتب..تراجع الإقبال على منطقة الريف بين ارتفاع الأسعار وتباين الأجيال


أحمد أعراب يكتب..تراجع الإقبال على منطقة الريف بين ارتفاع الأسعار وتباين الأجيال
ناظورسيتي: بلال مرابط

لماذا تراجع منسوب إقبال مغاربة العالم على منطقة الريف خلال فصل الصيف؟
وأنا أتجول في العديد من مناطق الريف خلال هذه الفترة التي تعرف توافدا ملفتا لمغاربة العالم إليها، أثار انتباهي نوع من التراجع البَيِّن على مستوى العدد. إذ لم نعد نشاهد ذلك الاكتظاظ والازدحام المعهودَين على مستوى الطرق الرئيسية، الشواطئ، المحلات التجارية، محلات وجبات الأكل وغيرها، مما جعلني أطرح سؤالا مفاده: ألم تَعد هذه المنطقة قِبلة تستهوي أبناءها بالخارج لقضاء عطلتهم السنوية بين ظُهْراني أهاليهم كما كانت في السابق؟ وإن يكن - فَرَضا - الأمر كذلك، فما هي العوامل التي تسببت في ذلك؟
كقراءة شخصية للموضوع، أربط تراجع هذا الإقبال أساسا بمسببات سيكولوجية وهُوياتية ترتبط بمعطى درجة التشبث بالأرض والمأوى الأول، وأخرى اقتصادية تُعنى بالغلاء المُشتكى منه، وعلى جميع المستويات. ناهيك عن المنافسة الشرسة التي تعاني منها المنطقة في مجال الاستقطاب السياحي، داخليا وخارجيا. ثم الافتقار إلى المقومات الجذابة للسياحة القادرة على الاستمالة والمنافسة الحقة عن طريق التسويق الترابي وإبراز مميزات المنطقة.
بخصوص النقطة الأولى، أرى بأن أجيال مغاربة العالم على ثلاثة: الجيل الأول، وهو الذي هاجر في الستينيات من القرن الماضي. السواد الأعظم منهم هاجروا من القرى والبوادي، ظلوا مرتبطين ارتباطا وثيقا بموطنهم الأصلي/ القرى، أو بالمدن التي انتقلوا إليها لاحقا، مما جعل عودتهم السنوية، أو لمرتين في السنة، أمرا مضمونا، وبالتالي الاطمئنان إلى توافد نسبة كبيرة من المهاجرين على المنطقة.


وأمام إحالة هؤلاء على التقاعد، وتفضيل بعضهم العودة إلى أرض الوطن للاستقرار، وأمام قضاء العديد منهم نَحْبَهم، رحمهم الله، تقلص هذا العدد وتراجع معه معدل التوافد،
ليبدأ الخَلَف مع الجيل الثاني الذي يُمثله أبناء ذلك الجيل الأول، وهم على صنفين أساسيين: صنف اصطحبه آباؤهم عن طريق التجمعات العائلية، وبقي هو الآخر متشبثا بزيارة الوطن سنويا، أو مرة خلال سنتين، على اعتبار أن والديه لا يزالان على قيد الحياة، يستطيعان فرض نوع من السلطة الوالِدِية القادرة على اصطحابه في العطلة، مع تسجيل نسبة - إلى حد ما غير مؤثرة - " تمردت " عن هذه القاعدة، تفضل البقاء في أرض المهجر خلال هذه الفترة، أو قَصْدَ وِجهات سياحية أخرى غير المغرب.
أما الصنف الثاني فهم كذلك من أبناء الجيل الأول، من الذين لم يصطحبوهم آباؤهم عن طريق التجمعات العائلية، وإنما هاجروا إما عن طريق الزواج، أو بطرق أخرى. هؤلاء جميعهم ظلوا متشبثين بزيارة الوطن بشكل منتظم لسبب رئيسي - حسب وجهة نظري - يتمثل في كونهم التحقوا بالمهجر في سن متقدم إلى حد ما؛ مما جعلهم - سيكولوجيا - مرتبطين بمأواهم الأول، يَشُدُّهم الحنين والنوستالجيا إليه، عكس الجيل الثالث، الذي يمثلهم أبناؤهم "حفدة الجيل الأول"، الذين ازدادوا بالمهجر وترعرعوا هناك؛ الأمر الذي جعل منسوب ارتباطهم بموطنهم الأصل - إلى حد ما - على غير درجة عالية من المتانة والحنين. وهو ما أُفسِّر به عدم إقبالهم المُكثف على هذا الموطن. أضف إلى ذلك، فقدان آبائهم - إلى حد كبير - لتلك السلطة الأبوية التي قد تؤثر فيهم لحثهم على زيارة بلدهم وعائلاتهم، والتي عادة ما تكون وشائج العلاقة والروابط بينهم وبينها " هشة " لغياب المعرفة التامة بهم، طالما أن هذه المتانة إنما تنعقد باللقاءات المنتظمة والتواصل المكثف معهم وغيرهما؛ وهي الأمور التي تكون شبه غائبة.
أما العامل الثاني، فيَكمُن في الشكوى من غلاء مستوى السياحة في المنطقة. حيث أن ثمة إجماعا على غلاء كل مقومات الاستجمام وقضاء العطلة، من الإقامة، سواء بالفنادق، على قلتها، أم بالشقق المفروشة. ناهيك عن لهيب أسعار وجبات الأكل وباقي مستلزماتها، وبعض الكماليات التي تُتَناول على الشواطئ وغيرها، كالعواصير والمشروبات التي تكون أثمنتها مُبالَغا فيها بدعوى أن منسوب الرواج في بقية الشهور منخفض، وبالتالي فأنت تؤدي ثمن ما تستهلكه في حينه، وتؤدي واجبا عن ذلك الفراغ التجاري المَعيش في بقية الفصول.
أما العامل الثالث، وبتأثير بالغ وكبير، فيتمثل في تلك المنافسة الشرسة، سواء الداخلية أم الخارجية، التي أصبحت تعاني منها السياحة بالمنطقة، وبأثمنة - كما يَروج - أقل. وأشير هنا بالدرجة الأولى إلى كل من إسبانيا "خاصة مدينتي ماربيا ومايوركا، إبيزا"، تركيا، اليونان وغيرها، التي أصبحت قِبلة للسياح والراغبين في قضاء العطلة؛ بمقومات أفضل وأثمنة أقل. علاوة على تفضيل العديد من أبناء المنطقة لقَصد بعض المدن المغربية السياحية الأخرى، كطنجة، تطوان، مراكش، أكادير وغيرها، وبنفس المَنطِق "جودة أكثر وأثمنة مماثِلة أو أقل". وهو ما يطرح تحدي غياب العدالة المجالية ومنسوب التنمية بين جميع مناطق المملكة على النحو الذي يجعل المنافسة مشروعة بين جميع الجهات والأقاليم، سواء تعلق الأمر بالبنية التحية أم المرافق العامة، خاصة الموانئ والمطارات التي يجب أن تُوزع بنوع من العدالة حتى تُقرِّب السائح من جميع المناطق، وبأثمنة معقولة ومتقاربة حتى لا يُشكِّل ذلك نفورا له من منطقة وتحفيزا غيرَ مشروع على زيارة أخرى.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح