المزيد من الأخبار






د. بوحميدي يكتب: وزارة العدل، إصدار ورقي في زمن الجيل "ز"


د. بوحميدي يكتب: وزارة العدل، إصدار ورقي في زمن الجيل "ز"
الدكتور نبيل محمد بوحميدي
مؤسس منصة ماروك دروا العلمية
عضو جمعية عدالة
نائب رئيس مركز التحكيم والوساطة بالناظور


في خطوة تبدو غريبة على وقع التحولات الرقمية المتسارعة، وبتاريخ الجمعة 03 أكتوبر 2025 أعلنت وزارة العدل على لسان كاتبها العام  إطلاق العدد الأول من مجلتها الورقية العلمية المتخصصة، إختار القائمون على المجلة موضوعا لعددها الافتتاحي، هو “التحكيم وسيلة بديلة وفعالة لفض المنازعات”، على اعتبار أن هذا الموضوع حسب القائمين على المشروع موضوع استراتيجي، في زمن لا يتفاعل الأغلبية الساحقة مع الوسائط التقليدية.

قبل الحديث عن تفاصيل عدم صوابية اختيار وزارة العدل لهذا النهج في الدعم العلمي للقضايا القانونية والشريعية الاستراتيجبة، فإننا نشير بداية إلى أن هذا الموضوع ليس أمرا حصريا، او يعطي للوزارة حق الادعاء بأن هذا عبارة عن إنجاز يستحق لقاء رسميا وإعلانا إشهريا لهذا العمل لأنه نعتبره أقل من العادي لهذه الأسباب في الحد الأدنى:

_ إن منصة ماروك دروا التي أصدرت اكثر من 40 مجلة قانونية، كان لها الفضل في إصدار  أكثر من عدد متخصص في الوسائل البديلة لحل المنازعات، وبمشاركة أكادميين وباحثين وقضاة ومحامون وأساتذة جامعيون، ولا اعتقد أن وزارة العدل في عددها موضوع هذا القول قد إعتمدت بغير مثل هؤلاء المتخصصين، لأن لا وجود لهذه البروفايلات خارج ما ذكر لهم كفاءة المساهمة في تحقيق الدور المحوري الذي تدعيه الوزارة للمجلة في مواكبة التحولات التشريعية والمؤسساتية التي يعرفها قطاع العدالة بالمغرب،

_الوزارة لم تعمم نسخة الكترونية مجانية على موقعه الرسمي ليتحقق أدنى ما يمكن تحققه مما جاء في لقاء الإعلان عن إطلاق العدد الأول من مجلتها العلمية المتخصصة، الذي أكيد كان على حساب مبالغ مالية مهمة، كان يمكن توظيفها في صنع محتوى رقمي اشهاري يتناسب لتحقق دخولها إلى دوائر التأثير الحقيقي الذي جاء في بيان الإعلان عن صدور المجلة.

_ إن منصة ماروك دروا كانت أول فاعل في المجال القانوني نظم لقاء عن بعد، وأنتج عدد من البودكساتات وعدد من القصاصات الرقمية بعد صدور النظام  القانوني الجديد الساري المفعول المتعلق بتنظيم اللجوء إلى الوساطة والتحكيم في المغرب.

_ إن مؤسس منصة ماروك دروا بصفته نائبا لرئيس مركز متخصص في الوساطة والتحكيم تمكن سنة 2025 من تنظيم 5 لقاءات رقمية متاحة مجانا للعموم، حول الوساطة الأسرية كمدخل من مداخل تجديد التعامل مع واقع الأزمات الأسرية المتفاقمة.

اننا في زمن ينشأ ويتكوّن فيه الوعي في بيئة رقمية بامتياز، يبدو  فيها إصدار وزارة العدل لمجلة ورقية خطوةً غير متوافقة مع روح العصر، الجيل الحالي لا يستهلك المحتوى بالطريقة التقليدية، بل يعتمد على المنصات الرقمية، الفيديوهات القصيرة، البودكاست، وتطبيقات التواصل، وهو ما يجعل المجلات الورقية الصادرة عن الجهات الرسمية  تبدو — للأسف — بعيدة عن دوائر التأثير الحقيقي.

إضافة إلى ذلك، الطباعة الورقية تُعد مكلفة بيئيًا وماديًا، خصوصًا في ظل توفر بدائل رقمية أكثر انتشارًا وأسرع وصولًا،

 كان من الأجدر بالوزارة استثمار هذه الموارد في تطوير محتوى تفاعلي على المنصات التي يتواجد فيها الجيل المستهدف، مثل إنستغرام، تيك توك، ويوتيوب، أو حتى في تطبيقات تعليمية أو قانونية موجهة لهذا الجيل بلغته وأدواته، لتكون متوافقة أيضا مع ما تعلن عليه أيضا السياسات العمومية التي تتحدث كثيرا حول تطوير البنية التحتية الرقمية، وأعطي على ذلك دليلا بعمل وزارة الإقتصاد والمالية "الوكالة القضائية للمملكة"، وأيضا المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، التي تنجز اعمالا علمية بإعتماد البنية التحتية الرقمية، ولا تلجأ إلى العمل الورقي في أعمالها العلمية إلا من أجل أرشفتها "اتحدث عن العمل العلمي لا "الإداري".

إن الرهان على الورق في زمن الشاشة هو رهان خاسر، ما لم يكن الإصدار الورقي ذا طابع أرشيفي، لا وسيلة للتواصل الجماهيري مع شباب اليوم أوالمستقبل.

المفارقة ليست فقط في الوسيلة، بل في الرسالة، إذ يبدو أن هناك فجوةً بين أدوات التواصل التي استخدمتها وزارة العدل، وبين سلوكيات واهتمامات الأجيال المستهدفة الذي يتلقي كما أشرنا معلوماته من الشاشة، لا من الورق؛ من الفيديو القصير، لا من المقال المطوّل؛ ومن المنصات الرقمية لا من رفوف المكتبات.

بدلًا من تخصيص ميزانيات للطباعة والتوزيع، كان من الأولى بالوزارة أن توجّه جهودها نحو بناء محتوى رقمي تفاعلي، يُبسط مفاهيم العدالة، ويقرّب القانون إلى حياة الشباب بلغة يفهمونها ومن خلال وسائط يقضون معظم وقتهم فيها، وأدعوكم بكل صدق تدارك الامر بنشر هذا العدد على شكل PDF  على الموقع الرسمي للوزارة في الحد الأدنى لتدارك ما يمكن تداركه،

  إن احترام التحولات الرقمية لا يعني فقط التحوّل إلى النشر الإلكتروني، بل يشمل فهم طبيعة الجمهور، وسلوكياته، وطرق تلقيه للمعلومة، ومع أن المجلات الورقية لا تزال تحتفظ ببعض الأهمية في السياقات التوثيقية، إلا أن جعلها أداة تواصل ونشر استراتيجي أمر يستحق إعادة النظر.

باختصار، ورق اليوم لا يُخاطب شاشة الغد.

وبكل قناعة نفتح لكم بروح وطنية لا يهمها إلى تطوير آليات إشتغال مؤسسات وطننا، نفتح لكم الباب للتعاون بتوفير تراكمات تجربة فريقنا منذ سنة 2010 الذي نجح في توفير بنية تحتية رقمية في المجال القانوني مع مزاوجته بالعمل الورقي، في الحد الأدنى تحويل المقالات الى بودكستات مع تعميمها عبر منصاتنا التي تشهد اكبر تفاعل آني "خاصة بين مختلف التجارب غير الحكومية" في مجال التشريع والقضاء,

بابنا مفتوح دون شرط أو قيد على المساهمة بتجربتنا في تطوير تجربتكم التي والله نتمنى لها النجاح الاستراتيجي على الدوام.

في القول تفاصيل أكثر لكننا مقتنعون أن القول المقتضب في هذه المرحلة أفيد، وأصلح.



تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح