المزيد من الأخبار






معركة أدهار أوبران قراءة في الشهادات الواردة في كتاب محمد الرايس‎


معركة أدهار أوبران قراءة في الشهادات الواردة في كتاب محمد الرايس‎
عبد الرشيد الصالحي

شكل صدور كتاب محمد الريس الذي اعده وقدمه نجله الاستاذ عبد الحميد الرايس اضافة نوعية الى المشهد الثقافي بصفة عامة والى البحث التاريخي بصفة خاصة .والشئ الذي يعطي الكتاب مكانة متميزة بين المؤلفات العديدة التي تناولت المقاومة الريفية ،هو كون هذا العمل لايحمل بين دفتيه معلومات وحقائق عن مسار المقاومة والجوانب العسكرية فقط، بل يقدم صورة عن المجتمع الريفي في الفترة الممتدة من نهاية القرن التاسع عشر حتى اواسط القرن العشرين بكل تجلياتها الثقافية و التنظيمية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .... الخ،كما يتضمن اشارات الى التحولات العميقة التي شهدها المجتمع الريفي بعد الاحتلال الاسباني للريف .
الكتاب جمع فيه المؤلف شهادات نصنفها في خانة التاريخ الشعبي ،الذي يعتمد فيه السرد العفوي و التلقائي للاحداث كما عاينها وعاشها الشاهد ،او كما تحتفظ بها الذاكرة الجماعية في صيغتها الشفوية بعيدا عن اي تصنع لغوي او تحليل سياسي أكاديمي ،مما يجعل القارئ يكتشف مادة تاريخية خامة ، وباهمية كبيرة للباحث في تاريخ الريف .

وايمانا منا بالقيمة التاريخية للكتاب كمر جع أساسي، ومنطلق لا بد منه لفهم التفاصيل التي صاحبت جل الاحداث والوقائع، التي كانت ارض الريف مسرحا لها زمن المقاومة ضد الاستعمارين الاسباني و الفرنسي تحت قيادة الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي . ارتاينا، ونحن نستحضر في هذه الايام محطة تاريخية مهمة في تاريخ المقاومة الريفية وهي ذكرى 95 لمعركة أدهار اوبران بتمسمان، التي وقعت في فاتح يونيو 1921 الموافق 26 رمضان 1393هج،ان نجعل المناسبة فرصة لنبش ولو بمحاولة متواضعة،

كان لمعركة ادهار اوبران اثرعميق في كثير من مناحي حياة الانسان الريفي سواء على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي او التنظمي او السياسي ،هذا على الاقل ما يمكن ان نستخلصه من مجمل الشهادات التي وقفت عند هذا الحدث التاريخي ،الذي شكل حلقة متقدمة من حلقات المقاومة ضد الاستعمارفي شمال المغرب،وهذا يمكن رصده في النقط التالية :

1- الحس التخطيطي و التفكير الاستراتيجي، كان حاضرا في هذه المعركة بشكل عفوي، وهذا السلوك الحربي ليس وليد الصدفة ، بل هو نتيجة تراكم لتجارب سابقة خاضها المقاتل الريفي، وهذا الحس التكتيكي نلمسه بشكل واضح في محاربتهم لجيش بوحمارة في سهل النكور،وكذلك اثناء المعارك التي قادها شريف أمزيان ضد التوسع الاسباني في المنطقة ،وفي هذه المعركة تم وضح خطة هجومية ترتكز على ثلاثة أفكار، بتنفيذها اصبح دهار اوبران في يد المجاهدين وهي كا التالي:

.اولا: تكليف بعض الشبان باختراق المخيم بشكل خفي وانفرادي، من أجل خلق نوع من الذعر داخل الثكنة يفقد للجيش الاسباني التركيز على الهجوم الخارجي.
ثانيا:الرمي بالحجارة من بعض الجوانب،قبل شروع المجاهدين في تبادل اطلاق النار تم الرجم بالحجارة كخطوة تمهيدية كذلك ترمي الى تشتيت ذهن افراد الجيش الاسباني ،وخلق نوع من الحركية داخل المخيم مما يسهل مأمورية القناصة،وتحديد نقط تواجد الجنود وراءالاكياس الرملية.

ثالثة: الهجوم بالسلاح سيكون على ثلاث محاور ، اي أن المجاهدين انقسمو الى ثلاثة فرق ،وهذا يحول دون تمركز الجيش الاسباني في جهة واحدة، وبالتالي ستكون المواجهة صعبة الحسم من طرف المجاهدين ،اذن هذه الخطوة مكنتهم من تشتيت العدو على جميع جهات المخيم، وبذلك تصبح فكرة اقتحام الثكنة في المرحلة الاخيرة من المعركة امرا ممكنا.

الاشكال الوحيد الذي كان لدي ولم اجد له جواب في الشهادات ،هو التحديد الدقيق للمكان الذي اتخذه الاسبان ثكنة عسكرية تتكون من خمسا وعشرين خيمة فوق هضبة دهار اوباران ، وهذا المعطى يفيد في الاجابة على سؤالنا، لماذا كانت الخطة بهذا الشكل ؟ .رغم انني قمت بزيارة دهار اوبران مرتين، الا انني لم استوعب سر نجاح الخطة الحربية للمجاهدين في هذه المعركة ، وهذا لم يتاتى لي الا بعد نقاش مع كل من الاستاذ عبد الحميد الرايس والاستاذ محمد اونيا ،من خلاله تبين لي أن قمة الجبل هي التي اتخذها الاسبان ثكنة عسكرية، وهذا لاعتبارين اساسين: اولا:لان الاسبان دائما يختارون القمم لثكناتهم ،من أجل رصد تحركات الاهالي بشكل جيد داخل نطاق جغرافي شاسع.
ثانيا: من أجل استخدام أفضل للمدافع و الرشاش في حالة تعرضهم للمقاومة .

لكن الاعتبار الاخير لم يجدي نفعا في هذه المعركة، لان الهجوم كان من سفوح الجبل،وبالتالي زاوية تسديد المدفع و الرشاش من أعلى القمة أصبحت في درجة الصفر التي لا تسمح باصابة الاهداف ،وهذا ما أدى الى شلل أخطر الاليات الحربية التي كان يخشاها المجاهدون، وهنا يكمن أحد أسباب نجاح الخطة المسطرة من طرف المجاهدين .

2- الجيش الاسباني حسب الشهادات الواردة في الكتاب ، أغلبهم ريفيون مرتزقة التحقو بالجيش الاسباني، منهم من قام بذلك نتيجة دواعي اقتصادية لها علاقة بالبطالة ، ومنهم من كان ضمن المشاركين في معارك ضد الاسبان، خصوصا في الفترة التي قاد فيها الشريف امزيان حركة التصد ي للمد الاستعماري، لكن استسلامهم قسرا في المعارك دفعهم الى الدخول في الجيش الاسباني عوض دخولهم الى الاسر والسجن.اما الاسبان في هذه المعركة فقد كانوا يشكلون الاقلية، وجلهم وقعوا في الاسر بعد استسلامهم، اي ان الدولة الاسبانية لم تكون لها خسائر في ارواح مواطنيها ،لكنها خرجت من معركة دهار اوباران بشعور واحساس سيتاكد لها لاحقا.اذن هذا الوضع الجديد سيكون له تاثير مباشرعلى مسألة التعامل مع الخونة والعملاء أثناء أسرهم، وهذا ما دفع بالقيادة الى وضع قانون خاص يحكم الاسرى ذوي الاصول الريفية او المغربية بصفة عامة، بحيث يتم الحكم عليهم بالاعدام رميا بالرصاص، في حين ان الاسرى الاسبان او الاجانب بشكل عام، يتم وضعهم في السجن من اجل استغلالهم في الاعمال الشاقة، الى حين افتدائهم من طرف اسبانيا مقابل اموال طائلة.

3- في هذه المعركة سيتم تقديم الفقه بولحية الوكيلي التوزاني كامام و مفتي اثناء الهجوم على موقع ادهار اوبران، وبعد ذلك سيصبح مفتي الجمهورية والمكلف بالشؤون الدينية .وهذا له دلالة في السياسة خصوصا في تلك الظروف التي تشكلت فيه قيادة المقاومة ،رغم ان مولاي محند كان بامكانه ان يتولى هذه المهمة لما له من اطلاع على العلوم الشرعية ،غير اننا يمكن ان نرجع الخطوة حسب رايي الى الجوانب التالية :
اولا :ان المسألة لها علاقة باسس قيام الدولة وما يتطلب ذلك من تقسيم للمهام و الادوار .

ثانيا: حياد القائد في اصدار الفتاوي وتدبير الشأن الديني، وذلك بوضع فقيه من ايث توزين معروف بالزهد و الورع، وبعيد عن الثقافة الاروبية وعدم احتكاكه بالاسبان ،وهذا يبعد الشبهات عن اجتهاداته الفقهية.
ثالثا : وعي مولاي محند بالدور التحفيزي للامام والفقيه في الحروب مع القيام بشعائر الدفن عند سقوط ضحايا ، كما هوشأن بالنسبة لدور القساوسة في الحروب عند المسيحين ،وليس من المستبعد ان يكون الخطابي استلهم هذه الفكر من الاسبان لانني لاادري ان كانت هذه المهمة حاضرة في الثقافة الاسلامية أي تنصيب امام ومفتي اثناء الغزوات والمعارك ، لان الامر يختلف بالنسبة للمسيحين الذين يوكلون للقساوسة مهمة القيام بالطقوس الدينية في كل مراحل الحرب ، اما بالنسبة للمسلمين فالامر له علاقة بالممارسة اليومية لكل مسلم مع الجمع بين الجهاد والامامة،بحيث يتكلف قائد الجيش بالادوار السابقة الذكر ، كما ان بامكان اي مسلم القيام بطقوس المرافقة لعملية الدفن مثلا.بالتالي يمكن ان يفهم هذا المنصب الجديد كنقطة تحول مهمة في المجال التنظيمي .

4- بعد اقتحام ثكنة المستعمر بدهار اوباران وانهاء المعركة بانتصار ساحق للمجاهدين و في وقت قياسي ،هذا كله تم في ظروف الصيام لان الحدث صادف اواخر شهر رمضان ، مع حرارة الصيف المرتفعة التي انهكت قوى المجاهدين وجعلتهم يحسون بعطش و جوع شديدين مما وضع الفقيه بولحية امام محك ديني حقيقي لان كل هذه الحيثيات تزامنت مع اكتشاف المجاهدين لاطعمة شهية و ماكولات متنوعة وبكميات كبيرة داخل المخيم ولكن الفقيه احتكم الى قاعدة فقهية تقول بان الضرورات تبيح المحظورات وبتالي افتى بجواز الافطار للمجاهدين لانهم في حالة حرب مع العدو الكافر ولا اعتقد ان الظروف السالفة الذكر كان المجاهدين في حاجة الى فتوى من الفقيه لان قتل الجوع اولى من قتل العدو وهذه الفتوى الجديدة لم يستغربها احد لان ثقافة الافطار في رمضان بالنسبة للفلاحين المنهكين بالعطش اثناء جمع المحصول الزراعي كان سلوكا مقبولا لدى الجميع لان التوقف عن العمل يعني ضياع المحصول وعني كذلك معاناة مع الجوع طوال السنة وبالتالي التضحية بايام من شهر رمضان أفضل من التضحية بارواح اسرة ممتدة .اذن من نتائج المعركة هو الاجماع على اتباع فتوى الامام وعدم مخالفتها او الطعن في صحتها كما كان عليه الامر سابقا ،وهذا السلوك سيتجسد اكثر في وقائع اخرى .

5- معركة سيدي ادريس التي كانت نتيجة مباشرة للحماس الذي اشتعل في نفوس المجاهدين بعد انتصارهم في معركة دهار اوبران، اعتبرت من طرف المشاركين فيها عمل متهور ،وشكلت في نفس الوقت نقطة تحول في تمثل الريفي للمقاومة والتصدي للمستعمر ،خصوصا بعد التوبيخ الذي تعرضو له من طرف مولاي محند، مع افهامهم ان الامور يجب ان تعقلن ، وبذلك استوعب الجميع أن نجاح مقاومة الاستعمار الاسباني، الذي يعتمد على اسلوب حديث ومتطور سواء في تدريب الجيش وتكوين المقاتلين أو أثناء خوض المعارك وتحركهم في الميدان ،لا يمكن ان يتحقق الا بالانظباط و التنظيم والتخطيط ،وهذا لا يمكن ان يتحقق بدوره الا بالالتفاف حول قيادة حكيمة .
6- شكلت معركة ادهار اوبران، وما صاحبها بعد ذلك من فوضى تنظيمية، ادت الى خسائر في الارواح بموقع سيدي ادريس، درسا في أهمية الانصياع لاوامر القيادة العامة في مثل هذه المواقف ،كما يمكن اعتباره دافعا أساسيا بالنسبة للريفيين من أجل الاقتناع بفكرة التخلي عن حق حمل السلاح وحرية التصرف فيه ،وذلك بوضعه في يد المشرفين على العتاد الحربي داخل القيادة العامة ، ليصبح حمله حكرا على الذين سيخضون المعارك والمتواجدين في جبهات القتال، دون سواهم من عامة الشعب،و هذه الخطوةالتنظيمية المهمة ستكون اخر مسمار يدق في نعش ظاهرة الانتقام و الثأر داخل المجتمع الريفي.

7- حجم الغنائم التي حصل عليها المقاومون، والتي تتكون اساسا من البنادق و الخرطوشات، ساهم في تراجع ثمنهم في السوق، مما كبد خسائر مادية للمهربين والمتاجرين في مثل هذه السلع ،كما ان الاصطدام في حد ذاته مع الاسبان يشكل حظرا لتنقل التجار عبر البحر والبر، كما جاء في الشهادات مما ينعكس سلبا على مداخيلهم .ولحسن الحظ ان هذه الفئة التي كانت تزاول الانشطة التجاريةسواءفي السلع المهربةأ والقانونية، كانت تشكل فئة قليلة داخل قبائل الريف الساحل، باستثناء قبائل قلعية المتاخمة لمليلية ،فئة التجار بكل اصنافهم يشكلون طبقة عريضة، وهذا ما أثر في جل المقاومات التي عرفتها المنطقة سواء بقيادة ميمون القلعي، او شريف امزيان، وبعدهم مولاي محند الذي عان بدوره من ردود افعال المجتمع القلعي لان المقاومة بالنسبة لهم تعني الافلاس و الازمة الاقتصادية ،أما بالنسبة للمناطق الاخرى فالحال يختلف،فبالاضافة الى كون التجار المهربين يشكلون قلة، مما يجعل تأثيرهم في الراي العام غير وارد ،فان هذه الفئة من التجار تتفرغ للانشطة الفلاحة بشكل تلقائي عند كساد التجارة، وهذا كان يخدم مصلحة المقاومة خصوصا في مهدها الجغرافي .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح