المزيد من الأخبار






كهفنة القضية الأمازيغية


كهفنة القضية الأمازيغية
الحسين أيت باحسين*

بصدد ما لحق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، من تأخير وتماطل، وما تقدمه بعض مؤسسات الدولة، خاصة التنفيذية، من مشاريع ومخططات مستقبلية دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والأخذ بعين الاعتبار بها في تفعيل مختلف القوانين التنظيمية الأخرى المرتبطة بها؛ يمكن أن نسرد أسبابا كثيرة منسوبة لأطراف معنية بالقضية الأمازيغية خارج الحركة الأمازيغية، ولو أن الجميع أصبح يصرح الآن بأن "الأمازيغية ملك لكل المغاربة"؛ لكن النقد السليم هو الذي يبدأ بالنقد الذاتي.

انطلاقا من هذا الاقتناع، يمكن اختصار القول في أن الحركة الأمازيغية، خاصة منها الجمعوية، قد أصبحت خاضعة للتشرذم.

ومما أصبح يُجَدِّر هذا التشرذم هو ما أصبحت بعض عناصرها تكيله من إتهامات مجانية لبعضها البعض؛ وما لا تمل من توجيه، لبعضها البعض، من تخوين وسب وشتم؛ وما آلت إليه من عدم الانصات لبعضهم البعض. حيث بقدر ما تتناسل جمعيات جديدة، تضيف للتشرذم الحاصل شرخا جديدا لعدم خلق قنوات تواصل بينها وبين الجمعيات الموجودة؛ بقدر ما تتزايد الإطارات ذات الطابع التنسيقي للحركة الأمازيغية انقساما وتدخل في صراعات متباينة الخلفيات والمقاصد التي لا تزيد الانقسام إلا تشرذما مُعَمَّقا وإلى نوع من "كهفنة" (Guettoisation) القضية الأمازيغية.

إضافة إلى هذا الواقع التنظيمي، أصبحت تهيمن في الساحة العمومية خطابات بسيطة: لا تتسم لا بالعمق الثقافي ولا بالوضوح السياسي المفيد في العلاقة بين الحركة الأمازيغية وبين الأحزاب السياسية وبينها وبين مؤسسات الدولة (الملكية والتنفيذية والتشريعية) وبينها وبين تنظيمات المجتمع المدني الحقوقية والثقافية والتنموية الأخرى.

إن الحركة الأمازيغية، أكثر من أي وقت مضى، في أمس الحاجة إلى إعادة الحوار الهادئ فيما بينها، من أجل ترصيد وتحصين المكتسبات ومن أجل تشكيل قوة اقتراحية في ما يتعلق بتأهيل الأمازيغية لغة وثقافة لكي تقوم بدورها كلغة رسمية للبلاد، ولإبراز الدور الإيجابي الذي ستقوم به على مستوى التنمية، وكذا القيمة المضافة التي ستكرسها على مستوى الأمن الثقافي والسلم الاجتماعي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، لا مناص لها من أن تعيد النظر، وبهدوء، في ما أدى إلى هذا التشرذم تنظيميا وتصورا ومشروعا؛ بدءا بالحوار الهادئ حول العلاقة بين "الثقافي والسياسي" و"بين السياسي والتنموي" وبين "الثقافي والتنموي" من وجهة نظر الحركة الأمازيغية. وذلك لأنه يلاحظ أن شعار: "الأمازيغية ملك لكل المغاربة" بدأ يستغله كثير من خصوم الأمازيغية للإجهاز على مكتسبات الأمازيغية ولعرقلة تفعيل ترسيمها، كما يستعمله أؤلئك الخصوم لوأد محاولات الاستجابة لما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.
وأخيرا وليس أخيرا، لا يمكن أيضا أن ننكر أن ما تحقق للأمازيغية من مكاسب ورصيد ثقافي وسياسي، يعود إلى ما قامت به الحركة الأمازيغية مند أزيد من أربعة عقود، وإلى ما أنجزته مجموعة من الباحثين في مختلف التخصصات ومن مختلف مواقع البحث الثقافي والأكاديمي. واليوم ينبغي علينا أيضا تشجيع ما تقوم به بعض المؤسسات المعنية بالنهوض بالثقافة الأمازيغية كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وما أنجزه من بحوث تهم الأمازيغية، كما وكيفا، وذلك في فترة وجيزة لم تقم بها حتى مؤسسات الدولة منذ بداية الاستقلال إلى خطاب أجدير. كما أن المؤسسات الجامعية، بفضل كفاءات أكاديمية، تساهم اليوم في إنجاز كثير من البحوث العلمية والأكاديمية في مختلف المجالات وعلى مستوى الإجازة والماستير والدكتوراة. لا ينبغي أن ننسى أيضا جمعيات تهتم بنشر ما يتمخض عن أنشطتها العلمية والأكاديمية وأخرى تناضل من أجل نشر إبداعات الجيل الناشئ والواعد مستقبلا.

كما ينبغي الاعتراف بالدعم والمساندة التي قامت بها هيئات سياسية ومنظمات حقوقية وجمعيات ثقافية في فترات كان مطلب ترسيم الأمازيغية من سابع المستحيلات. وفي إطار ثقافة الاعتراف هذه، ينبغي أيضا استحضار دور حركة 20 فبراير في الدفع بهذه المطالب إلى مستوى الشأن العام واستحضار خطاب 9 مارس 2011 الذي كان بمثابة الاستجابة لمنتظرات الحركة الأمازيغية في ما يخص وضع الأمازيغية لغة وثقافة وهوية؛ هذا الاعتراف الرسمي الذي توج بالترسيم الدسوري المشروط بقوانين تنظيمية لا زالت لم تعرف طريقها للتفعيل بعد أربع سنوات من ترسيمها في الدستور، بالرغم من أنها كانت من بين القوانين التنظيمية الخمسة الأولى التي ينبغي المصادقة عليها. وفي هذا الإطار نتمنى أن لا يكون ملف الأمازيغية من بين الملفات التي يتم التفاوض عليها من أجل خلق توازنات بين مختلف مواقع السلطة في البلاد، إذا كانت بالفعل ملكا لكل المغاربة.


*مناضل جمعوي وباحث في الثقافة الأمازيغية


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح