المزيد من الأخبار






سمير بوحميدي يكتب.. القناة الثامنة.. ماذا بعد سبع سنوات


سمير بوحميدي يكتب.. القناة الثامنة.. ماذا بعد سبع سنوات
سمير بوحميدي*

كانَ لابدّ، والبلادُ مأوى ثقافتين بارزتين عربيّة وأمازيغيّة، أن تلدَ حلمُ قناة رسميّة ناطقة بالثّقافة والتّقاليد والموروث التّاريخي والأدبي واللغوي الأمازيغي في تنوّعه الباهر، ذات يومٍ في المشهدِ التّلفزي المغربيّ، وفي ضوءِ ذلك وبعد مطالبَ مُلحّة جمعوية وشعبية وسياسية واجتماعية بإنشاء قناةٍ أمازيغيّة، تحقّق الحلم، فاستقبلت الأقمار الاصطناعية على تردداتها تفاصيل البث المرتبطة بقناة احتلت التّرتيب الثّامن ضمن المَملوك الإعلامي الوطنيّ، فوُسِمتْ بـ"الثّامنة"، وعرفتْ بـ"القناة الأمازيغية".

في مستهلّ السّنة الأولى لإطلاق المولود التّلفزي الجديد ضمن القطب العمومي، جاءت الجهود المبذولة في العمل الإعلامي بثمار ناضجة كان وراء رعايتها طاقم شاب طموح مزوّد بخبرة ومعرفة وتقنية وتجربة يرسمُ خطواته الناجحة، ويسيّر شؤونه مديرله باع طويل في المجال الإعلامي البصري، فطارت شهرة القناة وحقّقت نسب مشاهدة منقطعة النّظير مصادفةً حجم الانتظارِ الذي راكمه المشاهدُ المشرئبّ إلى انطلاقة القناة الأمازيغيّة قبل سنواتٍ، وعلى الرّغم من غياب منطق القياس ومواكبة التّوثيق، فإن برامج القناة ومختلف موادها الإعلامية كسبتْ مساحةً واسعة من نسب المشاهدة والاهتمام.

شقّ المولود الإعلامي الفتيّ طريقَه مزروعًا بنجاح البدايات، فارتقت جودة البثّ والإتتاج الإعلامي الذي شمل، إلى جانب النّشرات الإخباري، أفلاما ومسلسلات وأفلام وثائقية مُترجمة ومدبلجة بمختلف اللجهات الأمازيغيّة المعروفة، قبل أن يتبوّا مصاف القنوات العالميّة المُتدبّرة والمنتجة لموادها الإعلاميّة، فكانت المسلسلات والأفلام والبرامج الأصليّة الناطقة بالأمازيغيّة لممثّلين ومُنشّطين أمازيغيّين... كان المُتحقَّق باهرًا، فضرب موعدًا مع الاستمراريّة المحفوفة بالأمل والعمل والتطلّع نحو الأحسن وإتحاف المشاهد دائمًا.

والذّي يُسجّل كإنجازٍ غير متوقّع للثّامنة،جلبها للمشاهدِ الأمازيغيّ إلى جانب المشاهد الآخرغير النّاطق بالأمازيغيّة، حيث احتلّت الأمازيغيّة مكانا محترمًا في بيوتات العائلات المغربية الأمازيغية وغيرها، بل اخترقت مجال نفوذها بشكل جنح بها إلى خارج جغرافية الوطن، إذا استثنينا المشاهد المغربي المقيم في بلاد الخارج.

إنّنا اليوم وبعد مرور سبع سنواتٍ من العطاء التّلفزي المتميّز للقناة الثّامنة، أمام مُنجز إعلاميّ مسجّل في ذاكراتِ المشاهدين مثلما هو مسجّل في أرشيف القناة، سبع سنوات من قيادة سفينة شقّت طريقها وسط عُباب التحديات ومطبّات العوائق ومشاكل البداياتِ، لتعتلي جزيرة أهدافها بتجربة ثمينة شكلت مفخرة إعلامية وطنيّة بنكهة أمازيغيّة.

الدستور الجديد الذي زاوج بين العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين للبلاد، كان دافعًا هو الآخر نحو شقّ هذه الطّريق، فاضمحلت كل الخلافات والاختلافات المصطنعة التي حاولت أن ترسم حدودًا بين هاتين اللغتين اللتين تشكّلان هُوية موحّدة، وشكّل نبضا جديد للقناة الأمازيغيّة التي أعلنت من صرحها أنّ المشاهد الأمازيغي هو الآخر مستهدف إعلاميّا ليس بشيء آخر سوى بمُجمل ثقافاته المتضمَّنة في المواد الإعلامية المختارة بعيانة لتُبثّ على شاشة قناة "تمازيغت".

إن المتتبع اليوم للمشهد الفني والسينمائي والتلفزيوني للقناة سيقف بلغة الأرقام وبلغة الواقع أمام منطق المساواة واضح المعالم تنهجهاالثامنة في تعاملها مع الهويات الأمازيغة الريفية وتشلحيت وتسوسيت، لزركشة موادها الإعلامية، وإرضاء المتلقّي الأمازيغي المختلف في شيء من لهجته عن الآخر، لكن كل الجهود مبذولة وموحّدة لتحقيق مبتغى خلق قناة في المستوى للمشاهد ليس الأمازيغي فقط، بل المهتمّ بالأمازيغية بشكل عام.

إن قناة "ثمازيغت" إذن مكسبٌ يجب تثمينه وضخ دماء شديدة في شرايينه لبلورة المشهد الإعلاميّ المختلف في المغرب، وصناعة منتوج إعلامي يرتقي إلى مستوى الذّوق العام، ولن يتأتّى ذلك إلّا بتضافر الجهود وتخصيص الكثير من الدّعم، والقيام بالعمل التام، لانتظار نتائج طيّبة دائمًا.

*صحفي متخصص في الشؤون الأمازيغية


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح