المزيد من الأخبار






المُؤرّخ علي الإدريسي لناظورسيتي: الأنظمة الخائفة من شعوبها تتعمد تقسيم جهات "الخطر" المزعوم


المُؤرّخ علي الإدريسي لناظورسيتي: الأنظمة الخائفة من شعوبها تتعمد تقسيم جهات "الخطر" المزعوم
حاوره: بدر أعراب

ناظورسيتي وفي سياق تداعيات مشروع التقطيع الإداري الجديد، القاضي بعزل حاضرة الحسيمة عن نظيرتيْها الناظور والدريوش، تستضيف ضمن حوار ماتعٍ يُقارع الموضوع من شتّى أوجهه، المؤرخ الدكتور علي الإدريسي سليل مدينة الحسيمة، الذي سبق له الاشتغال أستاذا في كلّ من جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة الجزائر التي اُنتدب فيها أيضا عضواً بفرقتها المتخصصة في البحث العلمي، وعمل فيها كذلك ممثلا ديبلوماسياً بسفارة المغرب، إلى جانب تمثيله المغرب لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بالإضافة إلى كونه عضواً مؤسساً لـ"مجموعة البحث محمد عبد الكريم الخطابي للدراسات التاريخية والاجتماعية والثقافية" وعضواً في كلٍّ من اللجنة الاستشارية لـ"موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب"، وَ "اللجنة الاستشارية العلمية لدى المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير"، كما أنه خبير شؤون العلاقات المغاربية، وصدرت له كتابات بحثية في قضايا الفكر الإسلامي والتاريخ المعاصر.. فبعد الترحيب بالدكتور علي الإدريسي اُستهل الحوار بالسؤال التالي:

كيف ترون مشروع التقسيم الجهوي الجديد الذي يفصل بين أقاليم الحسيمة والدريوش والناظور؟

الأنظمة غير الديمقراطية، والأنظمة الخائفة من شعوبها، تعتمد سياسة تقسيم الجماعات والمناطق التي تعتقد أنها قد تشكل عليها خطراً في حالة ما إذا ما تكتلت فيما بينها، وهي الصورة التي يروج لها البعض في جناح المغرب الذي كانت تستعمره فرنسا بشأن الريفيين والريف، بل يذهبون إلى درجة أن الريفيين سينفصلون عاجلا أو آجلا إذا ما شكلوا جهة واحدة في التقطيع الجديد للجهات. وهم يستدلون على توجسهم من الريفيين من خلال بعض الشعارات التي يرفعها بعض الناس لأسباب يطول شرحها في هذا الحوار.

ومن هذا التوجس الذي غرسه الاستعمار في ورثته، ومن تداعيات الشعارات التي أشرت إليها، مع تقارير بعض الأجهزة التي تخدم أجندات معينة يتم اقتراح إلحاق الريف بجهة الشرق، أو تقسيمه بين جهة الشرق وجهة طنجة تطوان. لكن من جانب آخر فإن ما يساعد على إمكان تحقيق تقطيع أوصال الريف هو غياب ظهور زعامات ريفية ذات مصداقية، تمثل كل الريف تمثيلا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، على غرار ما هو موجود في مناطق أخرى من المغرب. وعدم وجود مثل هذه الزعامات الجامعة والمؤثرة تساهم في ضياع كثير من حقوق الريف الأخرى كما هو معروف.

ولكن الأصداء تفيد بأن غالبية ساكنة إقليم الحسيمة استبشرت خيراً بانضمامها أخيراً إلى جهة الشمال، لماذا في تقديركم هل لاعتبار أن جهة الشرق ستعيق عجلة التنمية بمنطقتها؟

ها أنت تُخيّر في سؤالك الحسيمة بين طنجة – تطوان وبين الشرق، وكأنّ الحسيمة يتيمة تبحث على من يتبناها. أمّا ما تقول في سؤالك بأن الأصداء تفيد أن غالبية ساكنة الحسيمة استبشرت خيرا بانضمامها إلى طنجة – تطوان، فيبدو أن هذا السؤال وما يشبهه يندرج ضمن ثقافة زرع الشكوك بين ساكنة الريف. فحين تقول "الأصداء" بالمطلق، وليس "بعض الأصداء" كما هو متعارف عليه في لغة الحوارات السياسية تكون قد انخرطت في أجندة الآخرين وجنيت على الحسيميين دون وعي منك. أما أن يكون هناك من يفرح بالانضمام إلى طنجة، ويكون هناك من يقتنع بجهة الشرق، ويكون هناك من يسعى ويناضل من أجل جهة الريف اللغوي أو جهة الريف التاريخي، فيجب أن نحترم جميع التوجهات المختلفة. وسيدّل ذلك على أننا بدأنا نمارس تدبير الاختلاف، واحترام تعدد الآراء، وننخرط في الفعل الديمقراطي. أما الغالبية فلا يفرزها إلا التصويت.

يروج إعلاميا أن أصواتاً سياسية هي من كانت وراء إقرار ضمّ الحسيمة ضمن جهة الشمال قصد التحكّم الانتخابي، نريد منكم تعليقا بصفتكم مواكبين للشأن السياسي؟

بعض وسائل الإعلام كشعراء ملوك الطوائف في الأندلس، وبعض الإعلاميين ينشرون بمقابل مالي ما يريد صاحب المال والمصلحة نشره بين الناس للحصول على مكاسب تفوق كثيرا ما صرفه. والفوز في الانتخابات وما يحققه لصاحبه من منافع كما تعلم يكون له ثمنه. والصراع من أجل المصالح الشخصية أو الحزبية موجود وسيستمر. لكن الذين يكافحون ويناضلون من أجل منطقتهم وساكنتها ومن أجل كل الوطن وكل المواطنين هم موجودون أيضا، وسيواصلون طريقهم. ولكلٍّ وجهته التي يقصدها. وهذه سُنّة التدافع.

إذا ما صادق مجلس الحكومة على مقترح التقطيع الجهوي الجديد دون إحداث تعديل، فمن الخاسر ومن الرابح؟

مشروع الجهة المتقدمة هو الخاسر، وعلاقة الثقة المتبادلة بين الحاكمين والمحكومين، التي كان المغاربة يستبشرون بها هي الخاسرة، أما الرابح فكل من يسعى إلى إبقاء المغرب متخلفا سياسيا واجتماعيا ولو إلى حين.

هناك قائلون بأن أحلام النخب الريفية الداعية خلال لقاءات عدّة إلى جهوية موّحدة تنصهر في إطارها أقاليم الريف الثلاث، تبخرت ولا أمل في إيجاد صيغة أخرى لالتئام الجروح..

لو كانت هنالك نخب ريفية فعلا، وفاعلة، وذات وعيٍّ جمعي، لما تجرأ أحدٌ على اقتراح المشروع الحالي لرسم خريطة التقطيع للريف. يكفي من خداع الذات ومن التوّهم بوجود ما ليس موجوداً.

أيّ جهوية تريد تحديداً دكتور علي الإدريسي؟

إرادة الفرد في الشؤون السياسية لا اعتبار لها، فأنا أريد أولاً بروز نخبة ريفية جامعة وذات وعي جمعي فاعل، متعددة في اجتهاداتها موّحدة في أهدافها، وزعامات قادرة على تجاوز الوضع الحالي. وحين يتحقق ذلك يمكننا أن نقترح ما نريد. وأتمنى على الشباب ألاّ يكرّروا أخطاء الجيل السابق وأنا منه.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح