المزيد من الأخبار






المغرب والهجرة.. كلفة باهظة لدور دركي أوربا


المغرب والهجرة.. كلفة باهظة لدور دركي أوربا
محمد أحداد

انتهت قبل أيام قمة قادة الاتحاد الأوربي، وتبددت معها آمال المنظمات الحقوقية التي كانت تنتظر إقرار مزيد من المرونة في التعامل مع المهاجرين، خاصة القادمين من إفريقيا. أوربا اختارت حلا آخر هو مضاعفة ميزانية الإنقاذ والرعاية الاجتماعية ثلاث مرات، لكنها تريد من البلدان المتموقعة في الضفة الأخرى من المتوسط أن تكون بمثابة الدركي الذي يحمي حدودها بمنطق المال مقابل محاربة الهجرة.

المغرب يدرك جيدا أنه أصبح بلدا مستقبلا للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، وأن الضغط يتزايد عليه بشكل سنوي، وإلى جانب ذلك، يدرك أن قضية الهجرة صارت قضية حقوقية تدرج في التقارير السنوية للمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية. لذلك انتبه المغرب، ولو بشكل متأخر، إلى أن مقاربة المال مقابل محاربة تدفق المهاجرين السريين إلى الضفة الأخرى لم تعد صالحة، بل ودفعت المنظمات الحقوقية إلى توجيه انتقادات قاسية لتبرز المغرب بمظهر «التلميذ الحقوقي» الكسول فيما يتعلق بالتعاطي مع المهاجرين السريين.

قبل شهور، اجتمع الملك مع لجنة صغيرة وأمر بتسوية وضعية المهاجرين السريين المقيمين بالمغرب. الخطوة التي وصفت بالذكية، شكلت منعطفا جديدا في التعاطي مع قضايا الهجرة، ففي الوقت الذي كان المغرب يوجه كل جهده نحو الحصول على المزيد من الدعم المادي واللوجيستي من طرف دول الاتحاد الأوربي، بات الآن طرفا رئيسيا يعالج قضية المهاجرين المقيمين على أراضيه، معناه أن المغرب اعترف بأن المآسي المترتبة عن قضية المهاجرين السريين تنتمي إلى صميم القضايا الاجتماعية الحارقة.

اعتراف المغرب بضرورة البحث عن مخرج جديد لملف الهجرة كان خطوة ذكية، أولا لأنه سيحتوي غضب المنظمات الحقوقية التي عابت على المغرب تعامله «اللاإنساني» مع المهاجرين، ثم إنه يبعث إشارات قوية إلى الاتحاد الأوربي بكون ملف الهجرة ليس ملفا يخضع للمقايضة.

الأخبار الأخيرة حول غرق مئات المهاجرين في حوض البحر الأبيض المتوسط أعاد إلى الواجهة نقاش «توزيع المآسي» كما سماه كاتب إيطالي: الاتحاد الأوربي يقول إن كل ما يمكن أن يفعله هو إنقاذ المهاجرين في عرض البحر، ودول الضفة الجنوبية من حوض المتوسط تقول إنها غير قادرة بتاتا على إيقاف آلاف المهاجرين من ركوب البحر.

المغرب يريد أن يمسك العصا من الوسط في التعامل مع قضية «توزيع المآسي»، فهو يعرف أنه لا يستطيع التخلي عن مساعدات الاتحاد الأوربي، لأن مواجهة تدفق المهاجرين تتطلب ميزانيات ضخمة لا يمكن أن تتحملها خزينة الدولة المغربية، لكن من جهة أخرى دخل في التزام أخلاقي مع المهاجرين الأفارقة، بعد أن تلقى انتقادات موجعة في الكثير من المحطات الحقوقية، لكن هل يستطيع المغرب أن يسير بهذه الاستراتيجية إلى أبعد مدى، لاسيما أن بلدان الاتحاد الأوربي تحاول أن تضغط بكل الوسائل من أجل إرغام حلفائه في الضفة الأخرى على التعاطي بحزم مع قضية الهجرة.

الاعتراف الذي تحدثنا عنه سلفا يقتضي الآن أمرين أساسيين: الأول هو توفير الاعتمادات المالية الكافية لإعادة إدماج «المهاجرين السريين» والسماح لهم بالولوج إلى الخدمات الأساسية (الصحة، التعليم..)، وعلى المغرب أن يتحمل كلفة ذلك، والأمر الثاني يرتبط بالنظر إلى قضية المهاجرين، ليس من باب أنه يجنب المغرب حملات الجمعيات الحقوقية، بل كقضية إنسانية، مع العلم أن المهاجرين الأفارقة صاروا جزءا من المجتمع المغربي.

ويقتضي الاعتراف، أيضا، أن يكون هناك وعي بأن قضية الهجرة أعمق من أن تفسر بالجملة المشهورة «مهاجرون سريون قضوا في عرض البحر»، وأن المسؤولية لا تتحملها دول أو كيانات، بقدر ما هي مسؤولية عالمية تمخضت عن نظام اقتصادي غير عادل وعن تفاوتات طبقية صارخة أفرزها نظام رأسمالي لا يهمه من يموت في البحر أو من يلقي بنفسه إلى الهلاك.
أغلب الانتقادات التي تلقاها المغرب كانت بسبب «المقاربة الأمنية» في التعاطي مع ملف المهاجرين، متكئة على مجموعة من التدخلات نفذتها قوات الأمن، خاصة في مدن الشمال. المبادرة الملكية في التدخل الاستعجالي لمعالجة قضايا الهجرة كانت ذكية جدا، لأنها أحدثت بالفعل قطيعة مع نظرة تقليدية كانت تنظر إلى المهاجر الإفريقي على أنه «عالة اجتماعية».

بطبيعة الحال، فإن الدور الذي تريده بلدان الاتحاد الأوربي من المغرب، يتمثل في وضع حد لتدفق المهاجرين السريين مقابل تقديم دعم سخي، أي أنها تسعى إلى أن تبقى بمنأى عن تأثيرات الهجرة، فيما يريد المغرب أن ينهج الحل الوسط. صحيح أن المغرب لا يمكن أن يتخلى عن الاتحاد الأوربي، لكنه لا يمكن أن يتعامل بنفس المقاربة مع مهاجرين من قارة يقول عنها دائما إنها تنتمي إليه.

الهجرة ملف معقد جدا لا يمكن حله بمجرد حلول ظرفية أو زيادة الدعم المادي، ومن المضحك حقا أن تقول دول أوربية كبيرة تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان، إنها ستوفر ما يلزم من الإمكانيات لإنقاذ المهاجرين في عرض البحر. إنها في الأخير نتيجة نظام رأسمالي مجنون يقودنا جميعا لنؤمن بأن الموت ليست سوى.. وجهة نظر.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح