المزيد من الأخبار






القنص بالناظور.. المكتسبات والمعيقات ودور السلطات في ذلك


القنص بالناظور.. المكتسبات والمعيقات ودور السلطات في ذلك
بقلم: محمد كمال
خلافا لما كان يمثله القنص في زمن مضى، من مصدر أساسي للعيش، والصراع من أجل البقاء، أصبح اليوم وبفعل عوامل ثقافية وحضارية ذات ارتباط وثيق بتقدم البشرية، وسيلة أساسية لتوطيد علاقات جديدة مع البيئة، قائمة على الصداقة والاحترام، وعلى تفاعل إيجابي بين الانسان والطبيعة، بعيدا على الصداقة والاحترام، وعلى تفاعل إيجابي بين الانسان والطبيعة، بعيدا عن الممارسات السلبية القائمة على النهب والاستنزاف، ومما لا شك فيه أن حاجة الغابة إلى الإنسان، في عصرنا الحالي، أصبحت ضرورة حضارية بسبب المخاطر التي تهدد الكون، نتيجة التوسع العمراني والصناعي، وبفعل الأثار السلبية للتغيرات المناخية التي لا تغيب على أحد مدى خطورتها.
لهذا السبب يمكن اعتبار هواية القنص –إضافة إلى طابعها الرياضي والترفيهي عامل إثراء ودعم للمجال الغابوي، لأن القناص بحكم كونه صديق الغابة- فهو يوقم بأدوار إيجابية تهدف إلى التنبيه إلى الإختلالات القائمة، وتقديم الخدمات الممكنة، والتعاون مع أطر وأعوان حماية الغابة على الحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية.
ويجب التأكد على أن القناص الحقيقي يقوم بهذه الوظائف بشكل طوعي، وهدفه الأول، هو ضمان استمرارية الحياة بالغابة وتنمية مواردها، دون الارتماء وراء مقاصد مادية صرفة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبالعودة إلى واقع القنص بإقليم الناظور، سجل أغلب الممارسين لهواية القنص التغيرات الايجابية التي عرفها القطاع، بعد بروز ترسانة من النصوص التشريعية المنظمة لعملية القنص، وإثر التدخل الفعال للمندوبية الاقليمية لإدارة المياه والغابات ومحاربة التصحر، رغم قلة الموارد البشرية، وضعف الامكانات اللوجستيكية، واتساع رقعة المجال الغابوي، في تنظيم عملية القنص بطرق عقلانية، وتفعيل المساطر الأدارية وفق المقتضيات القانونية والاجراءات المعمول بها.
وللذكير فإن القطاع عرف فيما مضى حالة من الفوضى والارتجالية، حول الغابة الى مجال للتسابق على النهب والاستنزاف، دون اعتبار للمخاطر المهددة للبيئة وللثروة الحيوانية، خصوصا بعد التساهل الاداري في منح رخصة حمل السلاح، والتي تسلم من قبل مصالح العمالة.
وسعيا إلى تغيير الوضعية بادرت إدارة المياه والغابات ومحاربة التصحر إلى الإنفتاح على المجتمع، من خلال إشراك الممتهنين لهواية القنص في تدبير الشأن الغابوي، والتحفيز على خلق إطارات جمعوية مهتمة بالقطاع، والتحسيس بأهمية المساهمة الجماعية في التنمية البيئية المستدامة، واعتبار الحفاظ على الثروة الطبيعية واجبا واطنيا وحضاريا.
ومما زاد منن عقلنة تدبير القطاع مبادرة الإدارة في وضع معايير للاستئجار ترتكز على حجم ونوعية الخدمات المعروضة لصالح الغابة والوحيش، تتجلى أساسا في مساهمة الجمعيات في تحسين البنية المادية وتوفير المياه وتنمية الموارد الحيوانية، وتأطير وتوعية المنخرطين.
وبناء على ذلك، فقد خلقت هذه الاجراءات الجديدة دينامية إيجابية، تمثلت في المنافسة الشريفة بين الجمعيات الجادة، نتج عنها توفير محميات مراقبة من طرف المجتمع المدني، دالة على حضور ثقافة جديدة تعيد الاعتبار للمجال الغابوي وملحقاته، وتسعى إلى حمايته من كل أشكال الضياع الناجم عن عوامل طبيعة أو بشرية، وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الجديد ساهم، من الناحية الاجتماعية، في خلق فرص الشغل لصالح الساكنة، وأكسب المجال جاذبية خاصة سيكون لها الأثر الإيجابي عللا مركز السياحة وعالم الاستثمارات.
ورغم هذه التطورات الدالى على حصول تقدم نوعي في القطاع، فإن المطلوب بقتضي تكثيف الجهود، وخلق مناخ للتعبئة الاجتماعية، وتوعية المتطفلين على مجال القنص، وإقناع الجميع بضرورة التحلي بالقيم والمبادئ الاجيابية، والتخلي على الممارسات المختلفة، التي لا ترى في الغابة، سوى ما يحقق المصالح الضيقة لبعض الفئات الهشة، التي تعتبر نفسها هي الأولى والأحق باستغلال الثروة الغابوية، بحكم الانتماء الجغرافي أو القبلي للمنطقة، متناسية أن معيار الإنتماء إلى الغابة، يكمن في نوعية العلاقة القائمة بين الانسان والمجال، علاوة على أن الغابة هو فضاء وطني عمومي، وهذا يعني أن القريب من الغاببة لا يقاس بمدى جواره لهذا المحيط البيئي، بل وأساسا، بنوعية قصوراته وممارساته المدنية والمتحضرة، ومساهمة في تنمية الثروة الجبلية، وليس التهافت واصطياد الفرص للانقضاض على الخيرات الحيوانية والطبيعية والتي هي ملك عام، دون بذل أي جهد لتنميتها وتأمين استمراريتها، كما يحلو للبعض من أشباه الهاوين للقنص.
أمام هذه المعطيات، تنتظر الجمعيات المهنية المهتمة بالقنص، من السلطات الحكومية الكثير من الحزم والصرامة تجاه مثل هذه الممارسات، والخضوع الكلي والجماعي للإجراءات الادارية المنصوص عليها في التشريع الغابوي.
أما السماح بتطبيق "قانون الغاب" ومحاولة شرعنته، ضدا على كل القوانين الوطنية المعمول بها، فلن يفضي إلا إلى المزيد من التدهور والاضرار بقطاع حيوي واستراتيجي يعد من أولى الأولويات الوطنية.
فهل ستعمل السلطات الاقليمية والمحلية على حماية الغابة من الممارسات المتهورة واللأخلاقية، والتي تختفي وراء يافطة المطالبة بالمساواة، وتحت مظلة الاعتبارات الجغرافية والقبلية، دون أن تمتلك أدنى شروط ومواصفات السلوك المدني؟


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح