المزيد من الأخبار






الساعة الجديدة وأثرها السيئ على العملية التربوية والتعلمية بالمغرب


الساعة الجديدة وأثرها السيئ على العملية التربوية والتعلمية بالمغرب
مراد جدي (مدرس وباحث في العلوم الاجتماعية)

مع تغيير التوقيت الإداري للمغرب سنويا بإضافة ساعة جديدة إلى التوقيت الرسمي المعتمد حسب خط گرنيتش، تبدأ معاناة أزيد 4,3 مليون متعلم وطالب وحوالي 20 ألف مدرس بقطاع التربية والتعليم إضافة إلى تأثيراته السلبية على القطاعات الأخرى ومجمل مجالات حياة المغاربة. ونخص في هذا المقال قطاع التربية والتعليم لكونه القطاع الذي تتعامل معه شريحة واسعة من الأسر المغربية، وأيضا باعتباره القطاع الأكثر تأزما وكيف أضاف هذا التوقيت الجديد إلى أزمة التعليم المغربي عبئا آخر على ما فيه من معضلات ومشاكل بنيوية، كما يعبر عنه المثل المغربي الدارج "ما قدو فيل زادوه فيلة"، وكون المستفيد الأول من هذا التوقيت ليس قطاعات الشعب المغربي التحتية والأساسية، بل قطاع رجال الأعمال والأبناك والمقاولات الكبرى الوطنية والأجنبية، فلماذا ترهن حياة أغلبية المغاربة وخاصة زبائن قطاع التعليم من التلاميذ والأسر والمدرسين وغيرهم بمصالح هذه الشريحة القليلة العدد؟ ولماذا يرغم هذا القطاع على العمل وفق زمن المقاولات التي تربطها مصالح وعلاقات مالية وتشاركية بالمقاولات الأوربية؟ وماذا يجني قطاع التربية والتعليم من وراء هذا التوقيت الجديد غير المزيد من المشاكل وتردي الوضع التعليمي؟ لماذا لا يترك التعليم لتوقيته العادي رغم اعتماد الساعة الجديدة أي بدل أن يكون الدخول الصباحي على الساعة الثامنة تصبح التاسعة مع اعتماد التوقيت الجديد في باقي الإدارات والمؤسسات ذات الارتباط بالمصالح الاقتصادية؟ وأخيرا نتساءل لماذا لا يلتفت المسؤولون إلى حاجات وهموم أغلبية المجتمع المغربي البسيطة ولماذا تركيز الاهتمام فقط على الفئات العليا والمحظوظة؟

تسوق الحكومة عدة مبررات وذرائع لاعتماد التوقيت الجديد؛ تقليص فارق التوقيت مع دول الاتحاد الأوربي التي تتم معها أغلب تعاملات المغرب الاقتصادية والمالية، توفير الطاقة بنسبة 1%. هذين المبررين الوحيدين يرهن بهما نمط حياة 33 مليون مغربي. فكم عدد المغاربة الذين يتعاملون اقتصاديا وماليا مع الاتحاد الأوربي؟ ألا تشكل هذه الفئة نسبة ضئيلة جدا من المجتمع المغربي، تضم رجال الأعمال وموظفي الأبناك والمقاولات الذين لهم مصلحة في التعامل المالي والاقتصادي مع الاتحاد الأوربي. أما مسألة الطاقة فمسألة غير قابلة للتحكم بها، ذلك أن نمط حياة كثير من المغاربة خاصة من العاطلين عن العمل وهم نسبة كبيرة من المجتمع، وحتى المشتغلين، يتجهون في ظل تطور وسائل الإعلام والاتصال إلى السهر لساعات طوال إلى أوقات متأخرة، فسواء زيدت الساعة أو نقصت فالأمر سيان لهؤلاء، بل ما يلاحظ أن نسبة كبيرة من الشارع المغربي لا تغير في ساعتها وتظل نسبة مهمة من الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة في قطاعات الفلاحة والصناعة والتجارة والخدمات غير خاضعة للتوقيت الجديد، بل الأمر يقتصر على موظفي وعمال القطاع العام وشبه العام أو الخاص المنظم، ما يبين أن هذه الحجة ضعيفة وليست ذات مردود على قطاع الطاقة بالمغرب، والذي يجب اعتماد آليات أخرى لترشيده وعقلنة الاستهلاك به.

بعد هذا لنرى هل هناك فوائد يجنيها قطاع التربية والتعليم من وراء اعتماد التوقيت الجديد؟ بطبيعة الحال فهذا القطاع ليس له ارتباط بالقطاع المالي والاقتصادي بل مستقل عنه بشكل كلي، وليس ضمن دائرة التعامل مع الاتحاد الأوربي، وليس له أي تأثير على تخفيض استهلاك الطاقة بل العكس يزيد منها، ففي ساعات الصباح الأولى تكون أغلب الأسر بحاجة إلى إشعال الضوء لتحضير وجبات الإفطار وتهيئة التلاميذ للخروج. وكما رصدت من خلال واقع التجربة العملية ومن خلال الاطلاع على بعض الدراسات الطبية والنفسية والتربوية، وبعد تفعيل النقاش داخل الوسط المدرسي مع التلاميذ أو الآباء أو المدرسين أو الإداريين، نقف على مجموعة من التأثيرات السلبية للتوقيت الجديد على المردودية والإنتاجية التعليمية، ومنها:

أولا: نسبة كبيرة من التلاميذ خاصة بالعالم القروي وشبه الحضري تقطع مسافات طويلة للوصول إلى المؤسسات التعليمية، بعضها ضمن قطاع النقل المدرسي والذي في أغلبه غير منظم، ونسبة لا بأس بها مشيا أو على الدراجات. والتوقيت الجديد يفرض على هؤلاء الاستيقاظ مبكرا غالبا عند آذان الفجر من أجل التهيؤ للمدرسة، والخروج باكرا للحاق بالحصص الدراسية، وتقطع هذه الفئة من التلاميذ مجالات غير آمنة تكون فيها معرضة لشتى أنواع الاعتداء، خاصة الاعتداء الجنسي بالنسبة للإناث، ما دفع عددا من الأسر إلى إخراج بناتهم من الدراسة خوفا عليهن من عدم توفر الأمن عبر مسار المنزل – المدرسة، ما زاد في حدة الهدر المدرسي. ومسألة انعدام الأمن تشمل حتى التلاميذ الذكور والمدرسين والمدرسات خاصة في العالم القروي وشبه الحضري، إضافة إلى صعوبة إيجاد وسيلة النقل لمن يضطر إلى قطع مسافة طويلة للوصول لمقر العمل أو الدراسة تلاميذ ومدرسين، لكون فترة الصباح الباكر يكون أغلب الناس العاديين ما زالوا مستغرقين في النوم.

ثانيا: يزيد التوقيت الجديد من صعوبة الحياة بالنسبة للعديد من الأسر، وخاصة الفقيرة وذات الدخل المتوسط، ويزيد من ثقل أعباء الأشغال المنزلية على المرأة، حيث نظرا لاختلاف نمط حياة أغلبية المغاربة مع التوقيت الجديد واعتماده فقط بالنسبة للمدرسة، تضطر أغلب الأسر إلى تحضير وجبتين في الفطور والغذاء. الأمر الذي يرفع من تكاليف المعيشة وأعباء العمل المنزلي للمرأة، ويؤثر سلبا على العلاقات الأسرية خلال هذه الفترة حيث يضطر الأطفال إلى تناول وجباتهم بعيدا عن حضور الوالدين، ما ينتج عنه إضعاف التواصل الأسري ومتابعة الأسرة لنشاطات ومستوى أبنائها الدراسي. هذا عدا عن كون فئة مهمة من الأطفال لا تتناول أي وجبة إفطار وأحيانا غذاء، خاصة في أوساط أسر مهملة لأطفالها أو غير قادرة على تحضير وجبتين مختلفتين يوميا، ما يؤثر سلبا على النشاط الحركي والذهني للطفل.

ثالثا: يؤثر التوقيت الجديد سلبا على الأداء الذهني والعملي للتلاميذ والمدرسين؛ فمن المعلوم بحسب الدراسات الطبية أن الإنسان يحتاج لعدة أيام أو عدة أسابيع إلى أن يعود جسمه للعمل بشكل طبيعي ويتعود على وتيرة اليوم بعد تعديل توقيته. وأوضح أن الجسم يمتلك ساعة داخلية بالغة الدقة موجودة في المخ، وأن هذه الساعة الحيوية مرتبطة بشكل وثيق بوتيرة حلول الظلام وطلوع الشمس.ومن شأن تغيير التوقيت أن يؤدي إلى الشعور بالإرهاق وأرق وصداع أو إلى سوء الحالة المزاجية للإنسان، خاصة لدى الأطفال وكبار السن الذين يجدون صعوبة خاصة في التكيف مع التوقيت الجديد. وهذا ملاحظ بشكل كبير لدى التلاميذ وحتى المدرسين، الذين يفتقدون إلى القدرة على التركيز والانتباه واستيعاب الدروس بشكل جيد كحال الأيام العادية قبل اعتماد التوقيت الجديد، فيحتاج معه المدرس المرهق المتوتر أصلا إلى بذل مجهود مضاعف، لا يأتي بالنتيجة المتوخاة في أغلب الأحيان. فهذا التوقيت الجديد يشل أي رغبة أو فعالية لدى المتعلم على بذل مجهود فعيل في التعلم، تضاف أصلا إلى رغبته الضعيفة قبلا في التعلم لعوامل كثيرة أشارت إليها العديد من الدراسات والمقالات في غير هذا الموضع، ويؤثر سلبا على نشاطه التربوي والتعلمي فيدخل في حالة شرود بسبب قلة النوم أو عدم الإفطار وارتفاع درجة الحرارة في التوقيت المسائي والذي يتزامن مع أوقات ذروة الحرارة في اليوم، وتكون لهذا مضاعفات سلبية على صحة المتعلم ومجهوده البدني والذهني، بل وعلى سلوكه وخلقه الذي يركن إلى مزيد من اللامبالاة بالدروس والعدوانية والحالة المزاجية السيئة.

رابعا: يترك هذا التوقيت الجديد للمتعلم أو حتى للمدرس، مساحة واسعة من وقت الفراغ في المساء لا تستغل بشكل جيد في أي عمل ذي فائدة مثمرة، فبعد يوم مرهق ومجهد بالنسبة للكل متعلم ومدرس وأبوين يلجأ الكل إلى الراحة أو اللهو أو قضاء الوقت في المقاهي والنوادي والنزهات. وما يلاحظ أن المتعلمين والمدرسين يهملون بالكلية واجباتهم المدرسية بعد عناء يوم طويل في العمل، وتبقى أمامهم تلك المساحة الفارغة للفعل اللامجدي، وخاصة للتلاميذ في سن المراهقة حيث يلجؤون إلى قضاء ذلك الوقت في أوساط اللهو واللعب خاصة صالات الألعاب، وفي تلك الأوساط يكونون معرضين لشتى أنواع الانحراف وتعلم السلوكات السلبية في ظل استقلالة الأسر عن أداء دورها التربوي، مثل الإقبال على التدخين والمخدرات والتسكع في الشوارع ومطاردة بنات المدارس والفتيات والسياقة المتهورة لوسائل النقل (دراجات، سيارات ...) والدخول في مشادات وممارسة العنف اللفظي والبدني على الغير، وصولا إلى ارتكاب مختلف أنواع الجنح والجرائم، في ظل غيبة تامة من كل الفاعلين الجمعويين والأمنيين والسلطات والمربين، وفي ظل هذا الجو تتفاقم أزمة المراهقين والشباب المغاربة وتنشأ اتجاهات العنف والجريمة والإرهاب.

إن المجتمع المغربي ليس له أصلا ثقافة التعامل الجيد مع الوقت، فعكس الشعوب المتقدمة التي تنظر إلى الوقت كرأسمال تستثمره في مراكمة إمكانياتها وقدراتها الذاتية وزيادة فعالية إنتاجها في مختلف المجالات وتحسين مردوديتها العلمية والعملية، نجد المجتمع المغربي كحال المجتمعات المتخلفة ليس له وقت فراغ أصلا لأن وقته كله فراغ، فمن غير نسبة محدودة من المغاربة النشيطين في القطاعات المختلفة، نجد القطاع الأوسع منهم يهدر الوقت في المقاهي والتسكع في الشوارع وخياطة الأزقة لأهداف تافهة وغير مجدية لحياته ومستقبله المهني والعملي. تأتي هذه الساعة الجديدة لتزيد الطين بلة، خاصة في قطاع التربية والتعليم الذي يعاني أصلا من وضعية مأزومة على كافة الأصعدة، فترتفع حدة المشاكل والمعاناة داخل الوسط التعليمي سواء للمتعلم أو المدرس (البعد، غياب الأمن، التحرش، الهدر المدرسي، العنف المدرسي، ضعف الرغبة، ضعف الاستيعاب والتحصيل، ضعف الجودة والمردودية ...). كل هذا يجب أن يدفع المسؤولين الحكوميين إلى إعادة النظر في هذا التوقيت وتكييفه مع واقع أغلبية شرائح المجتمع المغربي المرتبطة بالوسط المدرسي، حتى لا نقع في معضلة وجود توقيتين ونمطي حياة متباينين داخل المجتمع المغربي، كما يعبر عنه في الواقع المغربي "واش الطانش القديمة ولا الجديدة"، فهذا مؤشر سوسيوثقافي كاف ليستدل المسؤولون المغاربة أن عالم أغلب المغاربة غير عالمهم وعالم رجال المال والأعمال المحظوظين أصحاب الثقافة الراقية، فلا يضحوا بمستقبل الأجيال وتعليمها وبحياة المغاربة من أجل مصالح شريحة واحدة، لها الحق في ضمان مصالحها لكن على حساب القطاعات الأخرى، وهناك حلول كثيرة أمام الحكومة في هذا الشأن، كما اقترحت في البداية؛ تضاف الساعة الجديدة إلى التوقيت ويقتصر العمل بها على المؤسسات المالية والبنكية والإدارية والمقاولات، ويبقى قطاع التربية والتعليم محتفظا بتوقيته القديم في ظل الساعة الجديدة، حتى لا تضاف عليه أزمات ومعضلات جديدة زيادة على ما فيه، كما يقول المثل الدارج "اللي فيه يكفيه".


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح