المزيد من الأخبار






الحسيمة.. جوهرة المتوسط وأجمل مدن شمال إفريقيا


الحسيمة.. جوهرة المتوسط وأجمل مدن شمال إفريقيا
فاطمة بوغنبور

«كانت كذلك في جزيرة الحسيمة بعض اللمسات العاطفية إذ أن تلك الجدران الصامتة الحزينة شهدت الملحمة المأساوية لـ «بيبا» ابنة أحد النبلاء حاكم ذلك المكان التي وقعت في حب أحد السجناء وبما أنها عرفت أن حبها لن يؤول إلى أي شيء فقد ألقت بنفسها إلى البحر في أحد الأماكن الشاهقة، ومنذ ذلك الحين عرف ذلك المكان بالاسم الرائع قفزة بيبا».

هذا مقطع من كتاب «الحسيمة التي في ذاكرتي» للكاتبين الاسبانيين عاشقا ريف المغرب واللذين ولدا في الحسيمة بلاثيدو روبيو ألفارو وسانتياغو لاكايي ألفارو، والكتاب من ترجمة الكاتب المغربي إبن مدينة الحسيمة صديق عبد الكريم.

منذ البداية تفسح أجواء الكتاب أكثر من مجال. يختلط التاريخ القديم بغزارة الأحداث والأبطال الذين عبروا المكان بتميز الجغرافيا بالبحر المتوسط والقرب من القارة العجوز ووعورة الجبال وسحر الفضاء. وهو ليس المؤلف الوحيد الذي يحكي قصة مدينة لديها الكثير لتحكيه. لكنه يدخلك أجواء الأساطير وسحر ألف ليلة وليلة.

التسميات

قبل أن تحمل اسم الحسيمة، حملت قبل أسماء كثيرة عبر التاريخ. من كالا كيمادو سنة 1925 إلى جبل مالموسي إلى فيا سان خورخيس إبان الاستعمار الاسباني للمدينة وزيارة ملك اسبانيا. إلى اسم «فيا الوثيماس» في العهد الجمهوري وهو الاسم الذي استمر حتى حصول المغرب على استقلاله وأصله من المصطلح الاسباني الذي يطلق على نباتات الخزامى العطرية المنتشرة في جبال المنطقة. ومن هناك أتت التسمية الحالية «الحسيمة».

الموقع الجغرافي

جغرافيا تقع تماما في منتصف الشريط الساحلي المغربي المتوسطي أقصى شمال المغرب، وهي من أهم مدن منطقة الريف. هي عاصمة جهة «تازة الحسيمة تاونات» والوصول إليها من مدن أخرى ليس بالأمر الهين لوعورة المسالك الجبلية. لذا كانت حتى وقت قريب مهمشة اقتصاديا بفعل المنعرجات الجبلية الخطيرة حولها لكن الدولة وفي إطار مشاريع تنموية مشتركة مع الاتحاد الأوروبي أنشأت طريقا ساحليا متوسطيا مزدوجا يربط بينها وبين أهم مدن شمال المغرب.

موقعها الجغرافي أشبه بخليج بحري بقمم جبلية خضراء تطل على زرقة المتوسطي في مشاهد طبيعية بديعة جعلت منها إحدى أجمل مدن شمال إفريقيا، تلقب بجوهرة المتوسط وتعتبر عضوا بارزا في نادي أجمل خلجان العالم. تعتمد الصيد البحري والسياحة كموردين اقتصاديين وتشتهر بأجود أنواع سمك السردين، أما شواطئها فهي قصص جمال لا تنتهي يحج لها المصطافون من كل المدن المغربية، وحطمت صيف هذه السنة 2015 رقما قياسيا في نسبة عبور المغاربة المقيمين في الخارج عبر مطار «الشريف الإدريسي» بوصول حوالي 12200 مسافر، بنسبة ارتفاع بلغت 22٪ مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. والارتفاع نفسه سجلته المحطة البحرية في ميناء المدينة حيث دخلت المدينة أكثر من 4100 سيارة من أوروبا.

جمهورية الريف

بخلاف المعنى الشائع لمصطلح «الريف» كما في الشرق العربي والذي يعني البوادي أو القرى أو المداشر وجمعه «أرياف». الريف المغربي هو منطقة مثقلة بالتاريخ وليس ذاك المكان المختلف عن الحواضر والمدن، جاء في كتاب «الحسيمة التي في ذاكرتي» : « بدأ استعمال مصطلح الريف للمنطقة الشاطئية المتوسطية للمغرب، منذ القرن الرابع عشر الميلادي. تعني»الحافة أو الشاطئ» وأصلها كما يبدو من الكلمة اللاتينية «ريبا». وفي المخيمات المغربية كان يُطلق مصطلح «ريف المحال» على حدود الحقل الذي تحتله القوات، مما يشير أن الريف يعني بالمصطلح الحربي: «الحد النهائي أو منطقة متقدمة».

وتأسست جمهورية الريف وعاصمتها أجدير في الحسيمة على يد البطل التاريخي عبد الكريم الخطابي بتاريخ 18 ايلول/سبتمبر 1921، أبهر الخطابي أو أسد الريف العالم حينها بطرق دحره للاستعمار الاسباني صاحب العتاد المتطور والعدد الكبير من الجنود. كان أول من ابتدع أسلوب حرب العصابات ومراوغة العدو بين جبال الحسيمة الوعرة.

وفي معركته الشهيرة «أنوال» واجه 5000 ثائر ريفي حوالي 24 ألف جندي اسباني، لكن صدمة الاسبان كانت قوية، أكثر من 15 ألف قتيل وعلى رأسهم قائدهم سلفستر و570 أسيرا. توالت المعارك على أرض المدينة ضد الجيوش الاسبانية والفرنسية التي خسرت الآلاف من جنودها واشتد ساعد الريف بوضع دستور للمنطقة وجيش منظم وسفن ونواة اقتصادية أولية وذلك حتى تاريخ 27 ايار/مايو 1926 حين حاصرت الحسيمة قوة اسبانية وفرنسية بجنود عددهم 500 ألف في هجوم استعملت فيه غازات سامة وأسلحة كيميائية فتاكة استعملت إبان الحرب العالمية الأولى.

سقط عدد كبير من الضحايا في هجوم لا تزال تبعاته السياسية قائمة إلى حد الساعة لاستعمال فرنسا واسبانيا آنداك أسلحة ممنوعة دوليا تناقض التكتيك الحربي الذكي و»الشريف» الذي خاضه البطل عبدالكريم الخطابي مدججا فقط بإرادته وعدد قليل من الجنود في مواجهة دول قوية. وهكذا تبدد الحلم وسقطت جمهورية الريف، وسلم عبدالكريم الخطابي نفسه. وفي رواية أخرى يقال اعتقل فنفي إلى جزيرة «لاريونيون» التي ظل بها حتى سنة 1947، قبل أن يستقر في مصر كلاجئ سياسي، وهناك توفي في السادس من شهر شباط/فبراير 1963، وما يزال قبره الى اليوم في القاهرة. فيما تتجاذب أطراف سياسية كثيرة فكرة نقل رفاته إلى الحسيمة أو الناظور حيث صنع مجدا أدخل به المنطقة التاريخ من أوسع الأبواب.

جزر الحسيمة

جزيرة النكور: أو صخرة الحسيمة هي عبارة عن صخرة ترتفع عن سطح البحر بـ 25 مترا، تقع في شاطئ الصفيحة وتبعد عن بر مدينة الحسيمة فقط بـ 300 متر وتقدر مساحتها بـ 0.005 كلمترات. احتلت في 28 اب/اغسطس سنة 1673. تزودها بالمؤونة سفن ومروحيات اسبانية بشكل دوري وتتوفر على كنيسة ومقبرة صغيرة ومنازل لكنها حاليا عبارة عن حامية عسكرية اسبانية يقطنها 60 فردا، ينظر لها سكان الحسيمة بحسرة من يحمل وشم استعمار في جبينه يأبى أن يزول فهي على مرمى حجر من الشاطئ وسط مياه إقليمية مغربية بسيادة اسبانية وعلم اسباني يرفرف برياح مغربية.


الحسيمة.. جوهرة المتوسط وأجمل مدن شمال إفريقيا


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح