المزيد من الأخبار






إن لم تستحي فاصنع ما شئت، لكنك لن تصنع سوى العبث والهدم واغتيال الذاكرة، ومع ذلك سنحيا


إن لم تستحي فاصنع ما شئت، لكنك لن تصنع سوى العبث والهدم واغتيال الذاكرة، ومع ذلك سنحيا
ناظورسيتي: م.ز

أعاد إقدام السلطات المحلية بمدينة الناظور من جديد على تنفيذ قرار هدم النادي البحري المعروف ب "كلوب"، (أعاد)ملف إعدام -لسبب أو لآخر- المعالم التاريخية والعمرانية بالمنطقة،على قلتها، إلى الواجهة، لاسيما أمام العدد المحدود والضئيل من هذه المآثر المتبقية بعد أن عصفت بها أيادي الجشع العقاري والسلطوي. ومع تجدد هذا الملف يتجدد سؤال: أليس للناظور رب يحميه؟؟.

خلال السنوات الأخيرة التي تتحولت فيها هذه المدينة كثيرا وبشكل سلبي ومتدهور. ومن تجليات التحول العمراني والمعماري ونسيجها الاجتماعي وفضاءاتها، توالي مسلسل إعدام المعالم والمكونات التي تشكل صورة وهوية كل مدينة على حدا. كما أن توالي هذا الإعدام، جعل من هذه المدينة كائنا بدون روح، على قلة ومحدوديّة العناصر والمكونات التي تشكل روح هذا الكائن الذي كان من الممكن ألا يكون على ما هو عليه الآن. الكائن الذي لا يحمل من مواصفات المدينة إلا الاسم. مدينة تعطي الانطباع أنها وجدت لأشياء أخرى، غير ما تريده الساكنة والأهالي والغيورون من أن يتوفر في الناظور.

قبل سنوات قليلة أعدمت آخر الفضاءات السينمائية بعد أن هدمت قاعة سينما الريف ولم يتبقى منها إلا الجزء الذي ارتبط بذاكرة ووجدان روادها وسنوات مضت كانت تتوفر فيه المدينة على قاعات سينمائية تحولت إلى بنايات شاهقة أو مساحات أرضية تنتظر موسم إنبات كائنات "ياجورية" قد لا توحي إلا بالجشع الذي يزحف على المدينة. وها هي قريبا منها معلمة أخرى تتهاوى في صمت وغفلة من الجميع بعد أن ضاع مجدها. إنها "كاسابيسكا" كما تعرف لدى الأهالي. وكثيرة هي هذه المعالم التي سقطت ضحية مقصلة الإعدام وهوت كأنها لم تكن ذات يوم جزء من ذاكرة وهوية وتاريخ.

علاوة على ان المساحات الخضراء والفضاءات العمومية هي الآخرى ضحية الإهمال والهدم والإعدام. وآخر فصول هذا المسلسل ما عرفته بعض المآثر التاريخية التي كان بالإمكان أن تتحول إلى معالم تاريخية ناطقة ومعبرة عن فترة تاريخية من حياة هذه المدينة. أما بعض الآثار المتبقية فهي بقيت صامدة وتقاوم هذا الإهمال والخراب الذي تتعرض له وتتحدى النسيان والطمس بعموم الريف والناظور كمدينة المقاومة والمثافقة والموقع المتوسطي والتراث والإبداع الفني لكنها لا تتوفر على متحف تاريخي يحفظ ذاكرتها التاريخية والثقافية، رغم مقولة جبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة. وهناك أشياء أخرى لا يتسع المجال للحديث عنها بتفصيل. أشياء وفضاءات تغيب عن هذه المدينة عكس المدن الأخرى.

الناظور مدينة بعنوان وحيد وبوجه وحيد. الضجيج والغبار والعبور... هل هذا هو قدرها؟ العنوان الوحيد والصورة النمطية وحدها لا تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتهافت وراء امتلاك الثروة والعقار والعمارات وفساد أو لا مسؤولية مسؤولين وانتشار ثقافة الاستهلاك المفرط والمظاهر المادية التي لا تصنع الإنسان الذي ينبغي أن يبدع وينتج ويعي محيطه وما حوله.

أما وأن آخر ما استجد في الموضوع، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هو عزم السلطات العمومية باستعمال القوى هدم آخر ما تبقى من روح وعمق وتاريخ مدينة الناظور، وكأن الجزء اليسير من المساحة التي تحتلها هذه البناية هو من يعيق إحقاق التنمية الموعودة ويعيق تقدم الناظور في أن تكون في مستوى "دبي" والمدن المتوسطية الكبرى، فالغير مفهوم هو كيف يصدر مسؤولون مثل هذه القرارات وهم يعرفون أنها قرارات غير صادرة مثلا في حق مجرم أو مذنب أو متهم بحيازة أراضي أو التلاعب في مخطط تهيئة أو أموال عمومية ما، بقدر ما هي قرارات لإعدام معلمة تاريخية وعلامة مدينة!!!. وحدها أصوات مدنية وجمعوية ومتطوعون غيورون يقاومون أقدام الديناصور الزاحف. ووحدها معالم شبه منعدمة تقاوم جبروت الهدم وكأن العقلية الهدامة وحدها هي الحل. لا لهدم النادي البحري. نعم لترميم "الكلوب". لا لاغتيال الذاكرة. نعم لمقاومة النسيان. لا لإعدام المساحات الخضراء. نعم من أجل مدينة بروح وهوية.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح