المزيد من الأخبار






اللغة الأمازيغية بين المعيارية والوصفية: (1) خصوصية المعيارية في اللغة الأمازيغية


اللغة الأمازيغية بين المعيارية والوصفية:  (1) خصوصية المعيارية في اللغة الأمازيغية
ناظورسيتي: مرزوق الحقوني

لقد أجمع علماء الاجتماع والفلسفة على أن الإنسان إجتماعي بطبعه، من حيث هو موجود يتواصل ويندمج ويتشارك مع أبناء جنسه، وجدانيا وعاطفيا وعقليا، فهو يخضع بذلك لمعايير إجتماعية يحددها العرف أو الحاجة ووسيلته في تحقيق ذلك التواصل والاندماج والمشاركة الوجدانية هي اللغة. ولذلك تم تعريف اللغة على أنها "ظاهرة إجتماعية"، وبناء على ذلك، فإن الإنسان يخضع في تواصله لمعايير لغوية يحددها العرف أو الحاجة. فمعيار الصواب والخطإ هو ماألفته الآذان وتم استبطانه في مسالك عصبية لغوية لدى إنسان مجتمع ما فهو أي ذلك المعيار، يخضع لخصوصية كل مجتمع تلك الخصوصية التي تنبع من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية والطبيعة. فمثلا كل من الأرض والمناخ يساهمان بشكل فعال في تشكل تلك الخصوصية، فمعنى عبارة ما في موطن جبلي بمناخ مطير, ليس هو معناه في موطن ذي مناخ صحراوي حار، لأن ما يعتبر هنا مادة نادرة ,كالماء مثلا، يعتبر مادة فائضة هناك , لذلك فوقع الكلمة على السامع يختلف من مكان لآخر , تماما كما يختلف وقع كلمة " الطعام " بين مستمعين: هذا شبعان متخم , وذاك جائع يشد أحشاءة من وقع السغب. كما أن الكثير من الأشكال الطبيعية والحيوانية هنا مجهولة هناك والعكس بالعكس ,امثلة كثيرة على المستوى المهني والاقتصادي , فقاموس الأطباء لايفهمه الفلاحون , وقاموس هؤلاء لا يفهمه البحارون. وهكذا، فللغة قنوات متشعبة يصعب بل يستحيل تتبعها وتحديد معاييرها .

1 المعيارية واللغة الأمازيغية

لقد قلت سابقا أن الإنسان في لغته يخضع لمعايير يحددها العرف وهذا ما يفسر تفكيك لغة واحدة إلى لهجات تختلف من قطر جغرافي لآخر فالعامية المصرية ليس هي العامية المغربية أو السورية أو اليمنية أو التونسية كما أن الأمازيغية السوسية ليست هي الأمازيغية الريفية أو القبائلية الجزائرية أو التونسية أو الليبية. والفرق بين اللغتين العربية والأمازيغية في هذا الأمر، هو أن اللهجات العربية منبثقة من العربية الأصل التي نطلق عليها إسم " الفصحى" التي كانت سائدة عند القرشيين حين نزل القرآن وهي لغة رسمية لكل البلدان العربية. أما اللغة الأمازيغية، فلحد الآن لم يتفق الباحثون على أصلها وعائلتها فمن قائل إنها لغة أفروآسيوية حامية حكمها حكم اللغة القبطية، ويرى الدكتور أحمد المدلاوي أنه لا يمكن إعتبار اللغة الأمازيغية متفرعة مباشرة من اللغة السامية. بينما أحمد بوكوس يرى أن الأمازيغية لسيت حامية ولا سامية وإنما هي لغة مستقلة بذاتها (1).

إن تحديد معايير دقيقة للصواب والخطإ في اللغة الأمازيغة ليس راجع إلى الأصل فحسب، بل راجع أيضا وبقوة إلى إلى عدم التناسق بين الآراء في البحث في هذه اللغة بل وراجع بالأساس إلى شساعة جغرافية هذه اللغة.فعدد الناطقين بها 66000000( ستة وستون مليونا إنسان ) حسب المعهد الملكي لللثقافة الأمازيغية، وهي لغة رسمية في المغرب، لغة وطنية في النيجر والجزائر، وهناك مليون مهاجر أمازيغي في بلدان أوروبا وأمريكا وكندا وفرنسا بالخصوص. كل هؤلاء ساهموا في إدخال معايير كلامية جديدة في اللغة الأمازيغية. ففي حديثهم نسمع كلمة بالأمازيغة وأخرى بالفرنسية أو غيرها وهذا ما ينضاف إلى تعدد اللهجات الأمازيغية. ففي المغرب هناك لهجة سوسية، ولهجة ريفية، ولهجة زيانية. وفي الجزائر نجد اللهجة القبائلية، اللهجة الشاوية والزناتة والميزابية. وفي ليبيا أمازيغ اللوحات, والنفوسية,والقلعاوية, وفي تونس أمازيغ اللوحات، وهي حوالي 19 (تسعة عشر لهجة ) (2) وما يميز صعوبة تحديد المعايير اللغوية في الأمازيغية أيضا هو أن هذه اللهجات لا تختلف في مسميات الأشياء فحسب بل تتعداها إلى الإختلاف في مخارج الأصوات كما سيأتي في باب الوصفية، وبالضبط النظام المعجمي ومسميات الأشياء والنظام الصوتي ومخارج الحروف.

إن المعيارية اللغوية في الأمازيغية تتعرض لنوع من عدم الاكتراث في إصلاحها اوفسادها ويحدث هذا حينما تفرض لهجة باعتبارها هي المعيار، ولا يدري أحد سبب هذا الاختيار أو سبب تلك الاعتبارية، وخاصة في مجال التربية (= تعلم الأمازيغية في المدارس ) عما بأن أمازيغية المنشأ مخالفة تماما للغة التدريس فيجد الطفل نفسه أمام لغة تعتبر أجنبية بالنسبة له، وهي أصعب من اللغات الأوروبية لأن هذه الأخيرة مقعدة يسهل توضيح المسند والمسند إليه فيها للطفل، أما اللهجة الأمازيغية المفروضة فغير مقعدة ويفرض على الطفل معجما آخرن ويحس بالألم والغربة الذاتية حينما يقال له إنك تدرس اللغة الأمازيغية .

إن هذه لطريقة في محاولة توحيد اللغة الأمازيغية ومحاولة خلق أصل مفروض لها لايزيد إلا في إتلاف مقاييس الصواب والخطإ في لغة المجتمع الأمازيغي .

وفي تقديري أن ما تقوم به القناة الأمازيغية المغربية من إشراك الفنانين الأمازيغ الكلاميين(= المغنيين والشعراء والحاكيين وأصحاب التقليد الصوتي...) من جميع اللهجات : السوسة والشلحية والريفية. يعتبر من المحاولات الرائدة في تقريب الفهم المعجمي والتعبيري بين هذه اللهجات إن عمل هذه القناة يشبه إلى حد ما ما كا يقوم به سوق عكاظ في الجزيرة العربية،حيث كان يختار أجود الكلام من شعر ونثر. وما المعلقات السبعة التي التي علقت على أستار الكعبة إلا نتيجة لذلك الاختيار. وفي رأيي أن سوق عكاظ ذلك هو الذي ساهم بشكل فعال في وجود لغة عربية موحدة وفصيحة جمعت مجمل كل لهجات العرب بل وحتى بعض الكلمات الفارسية وربما الرومية والمصرية القديمة اي شيء من كل أرض تعامل العرب معها تجاريا في رحلتي الشتاء والصيف المشار إليهما في سور" قريش " .

وأرى أن القناة الأمازيغية قد تلعب دورا ولو قليلا في خلق لغة أمازيغية موحدة إلى حدما وأكبر تحد لهذه القناة في هذا الشأن هو كثرة اللهجات وتباعد المسافات ووجود هذه اللهجات في مواطن داخل دول تأبى أن تتوحد إلا في التفرقة.

نرى عبر هذه القناة وجود صعوبة في فهم الحاضرين كلام بعضهم بعضا.كما نلاحظ أيضا أن هذه الصعوبة لا تعني وجود قطيعة تواصلية بين الحاضرين في هذه اللقاءات، وهذا مما يؤدي رويدا رويدا إلى وجود قاموس مشترك فني وشعري وكلامي موحد. وأتمنى أن تستضيف هذه القناة باحثين لغويين وعلماء التقعيد اللغوي لأن هذا ربما سيساهم يوما في وضع لبنة لصناعة صواب معياري موحد لبعض من في جغرافيا السكان الأمازيغ الممتد من النيل إلى لمحيط، ومن المتوسط إلى مجاهل إفريقيا .

إن الناطقين بالأمازيغية كغرهم من سكان العالم اللغة عندهم وسيلة حياة وهي عندهم كلام له حدود الصواب والخطأ، والصائب صائب ما دام قد نطقت به الألسن وألفته الآذان مع مراعاة المعاني المفهومة والحاملة لإرث معياري سابق وله قاموس متعدد المشارب (= قاموس الكلام العادي الاجتماعي الاقتصادي ـ قاموس الطقوس الدينية - قاموس طقوس الزواج ـ قاموس الحرب ـ قاموس طقوس اللهو- قاموس طقوس قضاء الحاجة ـ قاموس طقوس اللغو ـ قاموس طقوس إشباع الغرائز- قاموس طقوس الصيد ـ قاموس طقوس التعلم ـ وقاموس الاستطباب ـ وقاموس المناخ والتضاريس- وقاموس العمل لكسب الرزق...) ولكل من هذه الطقوس حدود كلامية يحرم تجاوزها تبعا للمقام والمقال لاتسفسه في هذا ولا تجاوز في ذلك. والملفت للإنتباه أن المقام الكلامي في اللغة الأمازيغية يختلف من لهجة لأخرى , فعى سبيل المثال معاني كلمة "أخرح " يقال لها بالأمازيغية : رق ـ فغ ـ أقلا، وهذه الأخيرة تطلق عى شيء معيب لا يمت بصلة مطلقا إل المعنى "اخرج " في أمازيغية أهل الريف، وأنا مهم، كما أنه من الملفت للنظر أن بعض الكلمات مثلا عند أمازيغ الريف في المغرب لايفهما أمازيغ زيان ولآ أمازيغ سوس , ولكن قد نجد شيئا يسمى عند أمازيغ الريف بنفس الإسم عند أمازيغ الطوارق مثالي في ذلك " الكبش" اذي يسمى "إكري" عند أمازيغ الريف، و"إكرر" عند أمازيغ الطوارق بينما يسمى "إهروي" عند امازيغ الأطلس الذين يشتركون في قطر سياسي واحد مع أمازيغ الريف، وكلمات عديدة ريفية تفهم في أمازيغ جزائر ولا تفهم في سوس ,ولا يدل هذا إلا على توحد أصل هذا اللسان بين جميع الأمازيغ , كما يدل على أن الأمازيغ كانوا لحمة واحدة قبل تعرض جغرافيا بلدهم للغزو الذي جدد أسماء المسميات ومعاني العبارات .

الأمازيغية كلام تراعى فيه معايير المقال والمقام وهي نظام دينامي يتحرك وفق مجاله البيئي العام , ووفق أسرار الطقوس الكلامية المشار إليها قبلا، وكل خلاف في اللغة الأمازيغية حول "المفهوم" هو من أصل قيمة خلافية مؤداها إلى إلى ظهور قرينة تربط المقال بالمقام .

وأختم هذا المقال المتواضع بالإشارة ان اللغة الأمازيغية غنية في مجال المعيارية الكلامية بطبعها وذوقها وجمالية تشبيهاتها وتصريحاتها، لكنها ضعيفة في مجال حقل المصطلحات العلمية والمتعلقة بالأساليب الحضارية الحديثة وقوية في مجال التعبير الفني كاشعر والنثر .

الهــــوامش

1 ـ محمد العواد /الأمازيغ وإشكالية الأصل /موقع:نوح وورلد وورلد ـ من النت

2 ـ ويكابيديا الموسوعات / من النت .


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح