المزيد من الأخبار






هدم المباني غير المرخصة: ضرورة قانونية أم تشريد للأسر؟


هدم المباني غير المرخصة: ضرورة قانونية أم تشريد للأسر؟
ناظورسيتي: أيوب الصابري

تشهد المملكة المغربية حملة واسعة لهدم المباني غير المرخصة، تهدف إلى بسط سيادة القانون ومعاقبة المخالفين. ولعل آخر فصل من فصول هذه السياسة هو ما حدث في جماعة بن الطيب صباح اليوم بإقليم الدريوش من هدم منزل أسرة بحي السلام لكونه قد "شيد بدون الحصول على الرخص الإدارية اللازمة واستخدامه دون الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة".

بينما ينظر من وجهة قانونية وتنموية صرفة إلى هذا الإجراء على أنه يعتبر خطوة ضرورية لضمان التخطيط العمراني السليم ومنع الفوضى، يثير البعض مسألة أساسية تتعلق بمصير الأسر التي قد تشرد جراء عمليات الهدم، خاصة دون إعطائهم فرصة كافية للدفاع عن أنفسهم أو إيجاد حلول بديلة.

لا شك أن تطبيق القانون واجب لا مفر منه، وهو السبيل الوحيد لتقدم الأمم، ونحترم الحرص على محاربة البناء العشوائي الذي يشكل خطرا على سلامة المواطنين ويعيق التنمية الحضرية، وساهم في التشوهات العمرانية التي نشاهدها اليوم في مدن المملكة حتى أضحى من الصعب إصلاح الأخطاء المتراكمة.


ومع ذلك، لا ينبغي أن يغفل عن "روح القانون" وفلسفته العليا التي تسعى إلى تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان كأسمى هدف للتشريعات. فهدم المنازل دون سابق إنذار أو توفير بدائل سكنية للأسر المتضررة، يشكل انتهاكا لحقهم في السكن الكريم، ويفاقم من مشكلة الفقر والتهميش.

كما أن سرعة تنفيذ عمليات الهدم، دون إعطاء فرصة للمواطنين المتضررين باللجوء إلى القضاء، تثير تساؤلات حول مدى احترام الإجراءات القانونية وضمان حق الدفاع. فمن حق كل مواطن أن يستمع إلى دفوعاته قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية تهدد حياته ومستقبله.

كما أن الاكتفاء بمعاقبة المواطن المخالف للقانون من خلال قرارات الهدم، دون محاسبة رجل السلطة المتواطئ في السماح بالبناء والتغاضي عنه، يعد تقصيرا في واجب المسؤولية ويشجع على استمرار مثل هذه الممارسات. كما أنه يتنافى مع مبادئ تخليق الإدارة والسلطة وتوجيهات جلالة الملك بربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن معالجة مشكلة البناء العشوائي تتطلب مقاربة شاملة توازن بين تطبيق القانون وحماية حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق فإنه يتعين على السلطات المعنية اتباع خطوات مدروسة تشمل:

التوعية والتثقيف من خلال نشر الوعي بأهمية الحصول على رخص البناء وإجراءات استصدارها، وتقديم الدعم والمشورة للمواطنين الراغبين في بناء منازلهم بشكل قانوني. فعقود من العشوائية والفوضى في قطاع التعمير بسبب فساد بعض المسؤولين وتطبيع المواطنين مع هذا النوع من الفساد يصعب القطع معه من خلال الصرامة في تطبيق القانون، وإنما يحتاج أيضا إلى كثير من التواصل والتوعية.

كما حان الوقت لمحاسبة المتواطئين، من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أي مسؤول يتغاضى عن البناء العشوائي أو يسهله مقابل مبالغ مالية، وهنا لسنا بصدد توجيه اتهامات لأي أحد بخصوص واقعة محددة.

وأخيرا فإنه لا بد من شيء من المرونة في تطبيق القانون، مع مراعاة الظروف الإنسانية لكل حالة قبل اتخاذ قرار الهدم، وإتاحة الفرصة للمواطنين لتسوية أوضاعهم بشكل قانوني.

فهدم المباني غير المرخصة يجب أن يكون خطوة ضمن جهد شامل لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة، مع الحرص على حماية حقوق الإنسان وكرامته. فإيجاد حلول بديلة تمكن الأسر المتضررة من العيش بأمان وكرامة، هو السبيل الأمثل لضمان استقرار المجتمع وازدهاره.


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح